186

Al-Iḥkām fī uṣūl al-aḥkām

الإحكام في أصول الأحكام

Publisher

المكتب الإسلامي

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

(دمشق - بيروت)

يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا، وَالْقَوْلُ بِالتَّعْيِينِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِالْإِبْهَامِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ مِنَ الشَّرْعِ وَلِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنْ إِظْهَارِ شَرَفِ النَّبِيِّ ﵇، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
وَإِذَا قَالَ: (لَكَ أُسْوَةٌ فِي فُلَانٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ)، فَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّأْكِيدِ وَلَيْسَ تَكْرَارًا خَلِيًّا عَنِ الْفَائِدَةِ، وَإِذَا قَالَ: (لَكَ أُسْوَةٌ فِي فُلَانٍ فِي هَذَا الشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ)، فَلَا يَكُونُ مُنَاقَضَةً لِأَنَّ الْعُمُومَ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ التَّأَسِّي وَالْمُتَابَعَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، بَلِ الْكُلُّ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ مُفِيدَةٌ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ، فَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَأْثُورِ عَنْهُمْ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّمَسُّكِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ ﵇، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَسُؤَالِ زَوْجَاتِهِ، وَالْبَحْثِ عَنْ أَفْعَالِهِ فِي ذَلِكَ وَسُكُونِ أَنْفُسِهِمْ إِلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَاحْتِجَاجِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَا.
وَلَوْ كَانَ ثَمَّ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُتَابَعَةِ وَالتَّأَسِّي غَيْرَ النَّظَرِ إِلَى أَفْعَالِهِ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ فِعْلِهِ ﵇، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي فِعْلِهِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي تَرْكِهِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إقرار النبي ﷺ لفعل غيره]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
إِذَا فَعَلَ وَاحِدٌ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﵇ فِعْلًا أَوْ فِي عَصْرِهِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ قَادِرٌ عَلَى إِنْكَارِهِ، فَسَكَتَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﵇ قَدْ عَرَفَ قُبْحَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَحْرِيمَهُ مِنْ قَبْلُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ إِصْرَارَ ذَلِكَ الْفَاعِلِ عَلَى فِعْلِهِ، وَعَلِمَ مِنَ النَّبِيِّ ﵇ الْإِصْرَارَ عَلَى قُبْحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَحْرِيمِهِ كَاخْتِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى كَنَائِسِهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَإِبَاحَتِهِ إِجْمَاعًا وَلَا يُوهِمُ كَوْنُهُ مَنْسُوخًا.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَتَقْرِيرُهُ لَهُ إِنْكَارٌ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ

1 / 188