Ihkam Fi Usul Ahkam
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٢ هـ
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
وَعَنِ الشُّبْهَةِ الْخَامِسَةِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْوَاجِبِ أَفْضَلَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ ﵇ وَاجِبًا.
وَلِهَذَا فَإِنَّ فِعْلَهُ لِلْمَنْدُوبَاتِ كَانَ أَغْلَبَ مِنْ فِعْلِهِ لِلْوَاجِبَاتِ، بَلْ فِعْلُهُ لِلْمُبَاحَاتِ كَانَ أَغْلَبَ مِنْ فِعْلِهِ لِلْمَنْدُوبَاتِ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى النَّادِرِ مِنْ أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا وَعَنْ شُبَهِ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ.
أَمَّا الْآيَةُ فَجَوَابُهَا مِثْلُ مَا سَبَقَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الْوُجُوبِ.
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الْعَقْلِيَّةُ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ غَالِبَ فِعْلِهِ الْمَنْدُوبَاتُ بَلِ الْمُبَاحُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَنْدُوبَ دَاخِلٌ فِي الْوَاجِبِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (١) .
وَأَمَّا شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهَا فِي كُلِّ فِعْلٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنَ النَّبِيِّ ﵇ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِهِ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مَعَهُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا بِمَعْنَى نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ.
وَذَلِكَ (٢) مِمَّا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
وَأَمَّا الْوَاقِفِيَّةُ فَإِنْ أَرَادُوا بِالْوَقْفِ أَنَّا لَا نَحْكُمُ بِإِيجَابٍ وَلَا نَدْبٍ إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ عَيْنُ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّ الثَّابِتَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَكِنَّا لَا نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَخَطَأٌ.
فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْفِعْلِ عَلَى شَيْءٍ سِوَى تَرْجِيحِ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَمَا إِذَا ظَهَرَ مِنَ النَّبِيِّ ﵇ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِفِعْلِهِ أَوْ نَفْيُ الْحَرَجِ مُطْلَقًا عِنْدَمَا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ سِوَى الْفِعْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١) أَيْ مِنْ تَنَافِي مَفْهُومَيْهَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ، فَإِنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ، بِلَا عُذْرٍ يَأْثَمُ دُونَ تَارِكِ الْمَنْدُوبِ. (٢) اسْمُ الْإِشَارَةِ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ مَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ.
1 / 185