147

Al-Ḥāwī al-Kabīr

الحاوي الكبير

Editor

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1419 AH

Publisher Location

بيروت

هَلْ يُغَلَّبُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ فِي الْمَنْعِ مِنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا أَوْ يُغَلَّبُ حُكْمُ السُّتْرَةِ فِي جَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّغْلِيبَ لِلسُّتْرَةِ لِوُجُودِ الِاسْتِتَارِ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّغْلِيبَ لِلْمَكَانِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ لأن القضاء فِيهَا أَغْلَبُ وَبَنَى عَنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إِذَا كَانَ فِي مِصْرَ بَيْنَ خَرَابٍ قَدْ صَارَ فَضَاءً كَالصَّحْرَاءِ.
فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ اعْتِبَارًا بِصِفَةِ الْمَكَانِ.
وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْمَكَانِ وَهَذَا التَّحْرِيمُ يَخْتَصُّ بِالْقِبْلَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى مَعْقِلُ بْنُ أَبِي مَعْقِلٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ َ - أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَتَيْنِ قِيلَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَهَى عَنِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ كَانَتْ قِبْلَةً، وَنَهَى فِي زَمَانٍ آخَرَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً فَجَمَعَ الراوي بنيهما فِي رِوَايَتِهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكَانَ نَهْيُهُ عَنِ الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ عَامَ خَيْبَرَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَقَصَدَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَمَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَارَ نَهْيُهُ عَنِ اسْتِقْبَالِهَا نَهْيًا عَنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ واستدبارها وهذا تأويل بعض أصحابنا من المتقدمين.
(فصل)
: وأعلم أن الاستنجاء فِي الصَّحَارِي بَعْدَ تَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا آدَابًا مُسْتَحَبَّةً وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهَا وَعَمِلَ السَّلَفُ عَلَيْهَا وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ أَدَبًا تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فقسم منها مختص بِمَكَانِ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ آدَابٍ، وَقِسْمٌ مِنْهَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْتَنْجِي فِي نَفْسِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ. فَأَمَّا الثمانية التي تختص بمكان الاستنجاء.
أحدهما: الْإِبْعَادُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ لِمَا فِيهِ مِنَ الصيانة وإكمال الْعِشْرَةِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ َ - كَانَ إِذَا ذَهَبَ بَعُدَ، وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبُرَازَ انْطَلَقَ حَتَى لَا يراه أحدٌ.

1 / 155