82

Al-Ghayāthī: Ghiyāth al-umam fī iltiyāth al-ẓulam

الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

Investigator

عبد العظيم الديب

Publisher

مكتبة إمام الحرمين

Edition Number

الثانية

Publication Year

1401 AH

وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يُرَاجِعُ الْمُفْتِي مُرَاجَعَةَ آحَادِ النَّاسِ الْمُفْتِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ مُحَالًا ; فَإِنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي تُرْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ فِي الْخُطُوبِ الْجِسَامِ، وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ لَا تَتَنَاهَى كَثْرَةً ; إِذْ هُوَ شَرَفُ الْعَالَمِينَ، وَمَطْمَحُ أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ لَا يَجِدُ عِنْدَ رَفْعِ وَاقِعَةٍ إِلَيْهِ أَعْلَمَ عُلَمَاءِ الْقُطْرِ وَالنَّاحِيَةِ، فَيَتَرَدَّدُ، وَيَتَبَلَّدُ، وَيَبْطُلُ أَثَرُهُ فِي مَنْصِبِ الِاسْتِقْلَالِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَسَاغَ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ ذَا كِفَايَةٍ وَاسْتِقْلَالٍ بِنَفْسِهِ. ثُمَّ يُرَاجِعُ الْكُفَاةَ، وَيَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَحْلَامِ وَالدُّهَاةَ.
وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْإِمَامَةُ زَعَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَوَجَبَ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ فِي تَدْبِيرِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا عَلَى مَرَاسِمِ الشَّرِيعَةِ تَجْرِي فَهِيَ الْمُتَّبَعُ وَالْإِمَامُ فِي جَمِيعِ مَجَارِي الْأَحْكَامِ، وَالرَّأْيُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ ; فَإِنَّ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ.

1 / 85