Al-Dāʾ waʾl-Dawāʾ
الداء والدواء
Publisher
دار المعرفة
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
المغرب
Genres
Sufism
هَذَا مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً، كَقَوْلِهِ: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: ٢٨] .
فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ: أَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ، وَأَنَا فِي حَسْبِ اللَّهِ وَحَسْبِكَ، وَمَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَمِنْكَ، وَهَذَا مِنْ بَرَكَاتِ اللَّهِ وَبَرَكَاتِكَ، وَاللَّهُ لِي فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ فِي الْأَرْضِ.
أَوْ يَقُولُ: وَاللَّهِ، وَحَيَاةِ فُلَانٍ، أَوْ يَقُولُ نَذْرًا لِلَّهِ وَلِفُلَانٍ، وَأَنَا تَائِبٌ لِلَّهِ وَلِفُلَانٍ، أَوْ أَرْجُو اللَّهَ وَفُلَانًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَوَازِنْ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. ثُمَّ انْظُرْ أَيُّهُمَا أَفْحَشُ، يَتَبَيَّنْ لَكَ أَنَّ قَائِلَهَا أَوْلَى بِجَوَابِ النَّبِيِّ ﷺ لِقَائِلِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَهُ نِدًّا لِلَّهِ بِهَا، فَهَذَا قَدْ جَعَلَ مَنْ لَا يُدَانِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ - بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ - نِدًّا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَالسُّجُودُ، وَالْعِبَادَةُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالْإِنَابَةُ، وَالتَّقْوَى، وَالْخَشْيَةُ، وَالْحَسْبُ، وَالتَّوْبَةُ، وَالنَّذْرُ، وَالْحَلِفُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ خُضُوعًا وَتَعَبُّدًا، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالدُّعَاءُ، كُلُّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ، لَا يَصْلُحُ وَلَا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ: مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «أَنَّ رَجُلًا أُتِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ» .
[فَصْلٌ الشِّرْكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ]
فَصْلٌ
الشِّرْكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ
وَأَمَّا الشَّرَكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ، فَذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي لَا سَاحِلَ لَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُ، مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ، وَنَوَى شَيْئًا غَيْرَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَطَلَبَ الْجَزَاءَ مِنْهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ فِي نِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ.
وَالْإِخْلَاصُ: أَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَإِرَادَتِهِ وَنِيَّتِهِ، وَهَذِهِ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ كُلَّهُمْ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهَا، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٨٥] .
وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي مَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ أَسَفَهِ السُّفَهَاءِ.
[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الشِّرْكِ]
فَصْلٌ
حَقِيقَةُ الشِّرْكِ
1 / 135