The Sickness and the Cure
الداء والدواء
Publisher
دار المعرفة
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
المغرب
Genres
Sufism
وَمِنْهَا: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَرْزَخِ، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [سُورَةُ طه: ١٢٤] .
وَفُسِّرَتِ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّ عُمُومَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَتَّبَ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِهِ، فَالْمُعْرِضُ عَنْهُ لَهُ مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ بِحَسَبِ إِعْرَاضِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، فَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالذُّلِّ وَالْحَسَرَاتِ الَّتِي تَقْطَعُ الْقُلُوبَ، وَالْأَمَانِي الْبَاطِلَةِ وَالْعَذَابِ الْحَاضِرِ مَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُوَارِيهِ عَنْهُ سَكَرَاتُ الشَّهَوَاتِ وَالْعِشْقِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ سُكْرُ الْخَمْرِ، فَسُكْرُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَعْظَمُ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَفِيقُ صَاحِبُهُ وَيَصْحُو، وَسُكْرُ الْهَوَى وَحُبِّ الدُّنْيَا لَا يَصْحُو صَاحِبُهُ إِلَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ فِي عَسْكَرِ الْأَمْوَاتِ، فَالْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ لَازِمَةٌ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ فِي دُنْيَاهُ وَفِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ مَعَادِهِ، وَلَا تَقَرُّ الْعَيْنُ، وَلَا يَهْدَأُ الْقَلْبُ، وَلَا تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إِلَّا بِإِلَهِهَا وَمَعْبُودِهَا الَّذِي هُوَ حَقٌّ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، فَمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِاللَّهِ قَرَّتْ بِهِ كُلُّ عَيْنٍ، وَمَنْ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِاللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ صَالِحًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سُورَةُ النَّحْلِ: ٩٧] .
فَضَمِنَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْحُسْنَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَهُمْ أَطْيَبُ الْحَيَاتَيْنِ، فَهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الدَّارَيْنِ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ [سُورَةُ النَّحْلِ: ٣٠] .
وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [سُورَةُ هُودٍ: ٣] .
1 / 120