Al-Bayan wal-Ishhar li-Kashf Zeigh al-Mulhid al-Hajj Mukhtar
البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار
Publisher
دار الغرب الإسلامي
Edition Number
١٤٢٢هـ
Publication Year
٢٠٠١م
Genres
مقدمة
...
تقريظ
الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته- أما بعد: فإن كتاب: (البيان والإشهار. لكشف زيغ الملحد الحاج مختار) تأليف الشيخ فوزان بن سابق بن فوزان آل فوزان كتاب مفيد في موضوعه- قد تصدى فيه مؤلفه أثابه الله لرد شبهات المشركين والمخرفين الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون إما حسدًا وعنادًا. وإما طمعًا بالبقاء فيما هم فيه من رئاسة وأكل لأموال الناس بالباطل، فقد قام هذا المدعو: الحاج مختار بترويج شبه باطلة في وجه عقيدة التوحيد ودعوة الشيخ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه على الحق الذين يسميهم بالوهابية ويكرر ما قاله المخذولون من أمثال: أحمد زيني دحلان، والنبهاني وغيرهما من أعداء دعوة التوحيد – فكان رد الشيخ فوزان أثابه الله وغفر له على هؤلاء ردًا مفحمًا مدعمًا بالأدلة والبراهين وأقوال الأئمة المعتبرين. فكان هذا الرد لبنة في بناء العقيدة الصحيحة ومعولًا في هدم الخرافات والشركيات. نصر الله به الحق وقمع به الباطل وأهله، وجزى الله مؤلفه الشيخ فوزان خير الجزاء وجعله في عداد المجاهدين في سبيله المدافعين عن دينه وسنة رسوله، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
1 / 5
التعريف بالمؤلف من كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون
لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام
الشيخ فوزان بن سابق بن فوزان
(١٢٧٥ هـ- ١٣٧٣ هـ) (١)
الشيخ فوزان بن سابق بن فوزان من عشيرة آل عثمان، أحد أفخاذ قبيلة الدواسر التي تفرقت في بلدان نجد حاضره وباديه من جنوبي نجد، حيث لا يزال يقيم في ذلك أصل القبيلة. كانت أسرته تقيم في الشماس ثم انتقلت إلى الشماسية إحدى قرى مدينة بريدة، فانتقلت منها إلى بريدة.
ومن الدواسر الوداعية آل مقرن، ومنهم الشيخ محمد بن مقرن بن سند الودعاني – العلم المشهور في الشعيب -، ويجتمعون مع أهل بلده الشماسية في جدهم سابق بن حسن جد السفير السعودي فوزان السابق.
ولد المترجم في بريدة عام خمسة وسبعين ومئتين وألف هجري، ونشأ في بريدة، وتعلم في كتابها مبادئ القراءة والكتابة، ثم رغب في العلم، فشرع في القراءة على علماء بلده، وأشهر مشايخه: الشيخ سليمان بن مقبل، والشيخ محمد بن عمر آل سليم، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
ثم سافر إلى الرياض، فقرأ على العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ حتى أدرك.
_________
(١) ج ٥، ص ٣٧٨- ٣٨٣.
1 / 7
ثم سافر هو والشيخ على بن وادي – أحد علماء مدينة عنيزة – إلى الهند للقراءة على العلامة الشيخ صديق حسن خان، فألفياه قد انشغل عن الإقراء بحكم بلاده (بهوبال)، فأخذا في القراءة على محدث الهند الشيخ نذير حسين، واستفادا منه، ثم عادا إلى القصيم.
أما المترجم فاشتغل في تجارة الإبل والخيل، يشتريها من نجد ثم يذهب بها إلى الشام، وكذلك يسافر بتجارته إلى العراق ومصر.
ثم اتصل بالملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله تعالى، وشارك في بعض حروبه، ثم صارت له مشاركة في السياسة، فعيَّنة الملك عبد العزيز معتمدًا له في دمشق، فاتصل برجال العلم هناك وقرأ عليهم، فكان ممن أخذ عنه من مشاهير العلماء: الشيخ طاهر الجزائري، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ عبد الرزاق البيطار، والأستاذ محمد كردعلي، ثم نقل إلى (المفوضية) السعودية بالقاهرة، فلم يزل فيها حتى طلب الإعفاء من العمل، فأعفي لكبر سنه.
قال الأستاذ خير الدين الزركلي: (صحبته اثني عشر عامًا وهو قائم بأعمال المفوضية بمصر، وأنا مستشار لها، وكان الملك عبد العزيز يرى وجوده في العمل وقد طعن في السن إنما هو للبركة، ورزق بابن وهو في نحو الثمانين، فأبرق إليه الملك عبد العزيز: (سبحان من يحيي العظام وهي رميم)، وجعله وزيرًا مفوضًا نحو ثلاث سنين.
ثم رأى أن ينقطع للعبادة، وإكمال كتاب شرع في تأليفه أيام كان في دمشق، فاستقال، وكتابه المذكور رد به على مطاعن وجهها (مختار أحمد المؤيد العظمي) إلى حنابلة نجد في كتابه سماه: " جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام"، وقد طبع.
أما رد الشيخ فوزان فسماه" (البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد مختار)، وقد طبع بعد وفاته في مجلد، وقد أعيدت طباعته عام ١٤١٣ هـ،
1 / 8
فقرأت فيه وتصفحته، فوجدته ردًا وافيًا في موضوعه، كافيًا في بابه وقد رد على شبهات عظيمة بالبراهين الساطعة من الكتاب والسنة وكلام أئمة الإسلام، فرحمه الله تعالى.
وقال الزركلي أيضًا: وأخبرني – المترجم – أن أول رحلة له إلى مصر كانت في السنة الثانية بعد ثورة عرابي، ومعنى هذا أنه كان تاجرًا سنة ١٣٠٠هـ، وكان من التقى والصدق وحسن التبصر في الأمور والتفهم لها على جانب عظيم) .اهـ. من كلام الزركلي ملخصًا.
وهو الذي قام بعمل فهرس منظم ومصوغ صياغة فقهية مفيدة لقواعد ابن رجب، ثم طبعه على حسابه.
قدم المترجم بريدة عام ١٣٥٧هـ، فاشترى بيتًا مجاورًا لمسجد في (الجردة) (١)،يسمى مسجد حسين، فأدخله في المسجد، وأعاد تجديد بناء المسجد على حسابه.
ولم يزل مقيمًا في مدينة القاهرة بعد إعفائه من العمل متفرغًا للعبادة والعلم، مع أنه حصل له ضعف في سمعه مع احتفاظه بقواه الفكرية والجسمية، حتى توفي في القاهرة عام ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف. رحمه الله تعالى.
وهذه أخبار أخرى عن المترجم لخصناها من عدة مصادر نذكرها لمزيد الفائدة والتوثيق:
كان الشيخ فوزان السابق من العلماء الأفاضل، ولقد كان ﵀ مع طلبه العلم يشتغل بتجارة الخيل والمواشي، حتى اختاره الملك عبد العزيز ليكون سفيرًا له بدمشق، ثم نقله إلى القاهرة، وبقي سفيرًا في القاهرة إلى آخر أيام حياته.
_________
(١) الجردة: ساحة واسعة في مدينة بريدة، يباع فيها الإبل والغنم وغيرها مما تجلبه البادية.
اهـ (المؤلف) .
1 / 9
وقد طلب من الملك عبد العزيز عدة مرات أن يعفيه من العمل، ولكن الملك عبد العزيز ﵀ لا يوافق على ذلك حتى بلغ أكثر من تسعين عامًا، عندها أعفاه من العمل، وأبقى له شخصيتها الاعتبارية هناك.
وكان عميدًا للسلك السياسي بمصر مدة تزيد عن ثلاثين سنة، وله مكانة خاصة عند الملك عبد العزيز، فهو لا يعامله كموظف، وإنما يعامله كشخصية لها مكانتها في المجتمع.
والشيخ فوزان ﵀، هو الذي عرف المصريين بمعتقد أهل نجد، وأنهم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصول، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقد شرح هذا الشيخ محمد حامد الفقي ﵀ في ترجمة للشيخ فوزان بعد وفاته، ذكر فيها فضائله وشيئًا من أعماله وصفاته، والشيخ حامد الفقي هو الذي غسل وكفن الشيخ فوزان بوصية من فوزان، وهذا دليل على تقدير العلماء للشيخ فوزان.
وكان إذا علم بين أحد من أهل نجد نزاع أو خلاف حل مشكلتهم برأيه وماله، وله هيبة عظيمة وتقدير في نفوس الرعايا السعوديين، إذ كان تجار الخيل والإبل يرتادون مصر بالألوف سنويًا، ويقيم بعضهم هناك عدة شهور للتجارة بالخيل والإبل والأغنام.
وقد هرب من الشام إلى مصر وقت ولاية الترك على الشام، وهروبه مع إبل للبسام بهيئة بدوي، كما أفاد ذلك ﵀ لبعض أقاربنا، وهروبه من الحكومة التركية حينما كانت تقبض على رجال العرب الذين لهم نشاط سياسي.
وكان ﵀ من رجال الدين والدنيا، ومن أهل الفضل، فقد كان منزله بمصر أكثر من أربعين عامًا موئلًا وملجًا لأهل نجد، ورجال العرب الذين لهم نشاط سياسي، ولم يكن يجهل أحوال المقيمين هناك، بل كان يتفقد أحوالهم ويساعد المحتاجين منهم، وكان يخصص للفقراء والمحتاجين منهم مخصصات شهرية من ماله الخاص، وكان إذا علم عند أحد من الرعايا السعوديين ما يوجب
1 / 10
نصحه استدعاه ونصحه، وربما أمره بمغادرة القاهرة.
وله مكتبة من أكبر المكتبات في بريدة، فقد طلب منه العلامة الشيخ عمر بن سليم أن يضعها في جامع بريدة، فوافق على ذلك، وقد وضعت هي ومكتبة الشيخ عيسى بن رميح في مبنى أعده الشيخ عمر بن سليم في شرق جامع بريدة، وكلف الشيخ عمر ﵀ الشيخ علي العبد العزيز العجاجي بالإشراف على المكتبة، وهي أول مكتبة أسست في بريدة، وهي الأساس للمكتبة السعودية القائمة الآن، والتي طورها فيما بعد الشيخ عبد الله بن حميد، ثم ضمت للمعارف بعد سفر الشيخ عبد الله بن حميد من بريدة، وكان الشيخ عمر ﵀ قد قرر تطويرها، وأن يضع فيها كتب طلبة العلم الذين يتوفون فيما بعد، وأن يزودها بما يطبع من كتب العلم، وما يحصل عليه من المخطوطات النادرة. وبالجملة فهو من رجال الدين والدنيا كما هو الشأن في المسلم، فرحمه الله تعالى.
1 / 11
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي جعل أتباع رسوله على محبته دليلًا، وأوضح طرق الهداية لمن شاء أن يتخذ إليه سبيلًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد مخلص لم يتخذ من دونه وكيلًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي اختص أمته بأن لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير الناس هديًا وأقومهم قليلا.
أما بعد، فإني لما كنت في دمشق الشام، وذلك في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف من هجرة المصطفى ﷺ، جمعتني فيها مجالس مع أناس ممن يدعون العلم، وآخرين ممن ينتسبون إليهم. فكانوا لا يتورعون عن الاعتراض على أهل نجد والطعن عليهم في عقيدتهم، وتسميتهم بالوهابية، وأنهم أهل مذهب خامس، والغلاة من هؤلاء يكفرونهم.
ولما كان هؤلاء الغلاة الجامدون على التقليد الأعمى، معرضين عن استقراء الحقائق في مسائل الدين من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ﵃ والتابعين لهم بإحسان من أئمة الهدى والدين في هذه الأمة، وخصوصًا الأئمة الأربعة الذين يزعم هؤلاء الجاهلون تقليدهم، ويغالون فيه، ويقولون: إن من خرج عن تقليد أحد الأئمة الأربعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. ومع ذلك تراهم يخالفون الأئمة الأربعة فيما أجمعوا عليه من أصول الدين، وذلك
1 / 13
في توحيد عبادة الله تعالى، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك في عبادته تعالى والإقرار بعلو الله تعالى على خلقه وإثبات صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله ﷺ، وتلقاها عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان من علماء الأمة وأئمتها بالقبول والتسليم إثباتًا من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، فقد أعرض هؤلاء المبتدعة عن اتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح من هذه الأمة، ولم يقلدوا أحد الأئمة الأربعة، بل فتحوا باب الشرك في عبادة الله تعالى ومثلوا صفاته تعالى بصفات خلقه، فقادهم ذلك إلى الجحود والتأويل الباطل، وسيأتي بيان ذلك والكلام عليه في محله من ردنا هذا إن شاء الله تعالى.
وقد جرت بيني وبين من ذكرتهم مباحث عديدة في المسائل التي هي أصل أصول الدين، وهي التي أرسل الله بها رسله، وأنزل بها كتبه، ليكون الدين كله لله وحده لا شريك له، إذ حصل في هذه المسائل تلبيس على الجهال من أناس يدعون العلم، مع أن لهم حظ من العلم ولا نصيب من الفهم. قد اجتالتهم الشياطين عن فطرة الله التي فطر عباده المؤمنين عليها فقلبوا لهم الحقائق وسموها بغير أسمائها، كدعاء غير الله تعالى من الأموات، والاستغاثة بهم، وجعلهم وسائط بين الله تعالى وبين عباده، ويدعونهم استقلالًا من دون الله تعالى، ويصرفون لهم من أنواع العبادات ما لا يجوز صرفه إلا لله ﵎. ويسمون أعمالهم هذه: بزيارة القبور وحب المقبورين، والتوسل بهم وطلب شفاعتهم لهم إلى الله تعالى، ومع ذلك يزعمون أنهم على الهدى وأن من خالفهم في ضلال مبين، فلم تفلح هذه المباحثات مع هؤلاء لعدم الرضوخ منهم لما أمر الله تعالى به المتنازعين من الرد إلى كتابه وسنة نبيه ﷺ.
وقد فارقتهم سائلًا المولى تعالى لي ولهم الثبات على الإيمان الصادق والهداية إلى طريق الحق وسلوك صراطه المستقيم.
ثم إني توجهت إلى مصر وأقمت فيها، وفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة
1 / 14
وألف من الهجرة: تلقيت كتابًا من الشام ومعه رسالة، ولما فتحت الكتاب وجدته من بعض الذين اجتمعت بهم في الشام وحصل البحث بيني وبينهم في هذه المسائل التي أشرت إليها، يقولون لي فيه: "قد أرسلنا إليك بهذه الرسالة كي ترد عليها إن كان عندك جواب" فعرفت من كتابهم هذا وتحديهم لي فيه بطلب الجواب عن تلك الرسالة: أنهم قد استعظموها في نفوسهم، معتقدين أنها الغاية القصوى في فصل الخصام بيني وبينهم في هذه المسائل التي دار فيها البحث.
فلما اطلعت على هذه الرسالة المذكورة إذا هي لرجل من المعاصرين من أهل الشام يسمى "الحاج مختار بن الحاج أحمد باشا المؤيد العظمي" وهذا من الأسماء المقلوبة فحقها أن تسمى "حالك الظلام، بالافتراء على أئمة الإسلام" لأنها تنادي على جهل مؤلفها ومن أرسل بها إلينا لأنها بضاعة مزجاة تلقي من تروج عنده في هوة سحيقة لا ترجى لمن يقع فيها النجاة. فإنه يقرر فيها عبادة غير الله تعالى، واتباع غير رسوله ﷺ ويرد فيها على جميع علماء أهل السنة المعاصرين له ومن تقدمهم من الأئمة المجتهدين المتبعين لكتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ المقتدين بسلف الأمة وأئمتها، فقد ضل هذا الملحد سبيلهم فصار يتخبط في ظلمات الجهل والتقليد الأعمى، وقد جمع في رسالته هذه من الخلط والتناقض وتحريف الكلم عن مواضعه شيئًا كثيرًا مما سنجيب عليه في محله إن شاء الله تعالى.
ومن عجيب أمرالحاج مختار هذا: دعواه انه من جملة المقلدين، ثم هو يفسر القرآن برأيه ويقول: إن الله ألقاه في روعه. ولم يره في كلام أحد من المفسرين (١)، تراه يدعي الاجتهاد المطلق، وينسى تقليده لمن ابتدعوا في الدين من الذين نقل عنهم ما ظهر فيه كذبهم من الادعاءات، وما لفقوه من الشبه الباطلة الزائفة حيث عفت أنوار الحنيفية على ما لهذه الشبه من معالم وأطلال وأزهق باطلها علماء أهل السنة المحققون في سائر الأجيال.
_________
(١) راجع الصحائف (٤٦،٥٦، ٩٠) من رسالته هذه.
1 / 15
وقد انحط صاحب هذه الرسالة إلى درجة من الجهل والغباوة خرج بها عن دائرة الإنسان، فضلًا عن العقلاء، فضلًا عن العلماء، كما أنه قد صار إلى درجة من التقصير في علم الكتاب والسنة لحق فيها أسلافه، فأثمرت لهم الابتداع في الدين إذ اعتقدوا الباطل حقًا فدعوا إليه، واعتقدوا الحق باطلًا، فعادوا من كان عليه فضلوا وأضلوا كثيرًا عن سواء السبيل، فقد تسكعوا في الضلالة، وتطابقوا على الجهالة وقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، وقد تمادى صاحب هذه الرسالة في القحة تيهًا منه وإعجابًا، وتنكب عن طريق الحق فلم يتحر صوابًا، وقد سمعت أن لهذا الغبي أتباعًا بلغو قوله يزمجرون، وبرسالته الساقطة المفككة لفظًا ومعنى يتطاولون. ولم يعلموا أن من قلدهم في تلك الضلالات قوم لا يفقهون، قد أثخنهم حماة الإسلام فيها لطمًا ووخزًا وقد ولوا مدبرين، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا؟ فلم يسعني إلى إلجام أولئك الطغام أتباع كل ناعق، مستعينًا بمن يقذف بالحق على الباطل فيدغمه فإذا هو زاهق وسميت هذا الرد "البيان والإشهار، لكشف زيغ الملحد الحج مختار"، مستمدًا من الله تعالى التوفيق لسلوك صراطه المستقيم عائذًا بجلاله تعالى عن اتباع الهوى وهمزات الشياطين، فإن هذا الملحد قد أطلق لسانه وقلمه بالفجور وقول الزور وتكفير المسلمين الموحدين بغير برهان مما نعتذر عنه في ردنا هذا من شطحات القلم لرد ظلمه. قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى، الآية: ٤٠] إلا أني لا أقابل الباطل بمثله، بل أقدم الحق الذي يقتضيه العدل والإنصاف مؤثرًا أن أكون طالبًا لا مطلوبًا والله تعالى حسبي ونعم الوكيل.
ولما كان هذا الملحد قد حشا رسالته بما لا فائدة فيه، وليس هو من موضوعنا الذي قصدنا الرد عليه لخروجه عن محل الاعتراض، وإنما يدل على خبط هذا الملحد وتخليطه، فلا نطيل بتتبع هفواته.
فنقول وبالله نستعين.
1 / 16
إظهار ما في صدر خطبة الملحد العظمى من جهل وتناقض
قال الملحد صاحب الرسالة:
" الحمد الذي رضي الإسلام لنا دينًا، وأكمله لنا وأتم نعمته علينا وأقامنا على سنة رسوله النقية السمحاء، حمدًا تستنير به القلوب وتستضيء منه البصائر، وأشهد أن لا إله إلا الله، الهادي إلى الصراط المستقيم، القائل من استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم".
أقول: أوردت صدر خطبة هذا الملحد إظهارًا لجهلة، وبيانًا لمخالفته ما يدعيه من الاستقامة على السنة، وتنبيهًا على تحريفه لكلام الله تعالى عن مواضعه ليعلم المعجبون برسالته وبأمثاله من المخرفين ما هو عليه من الجهل وعدم الأمانة إن كانوا ممن يعقلون، وما أحسن ما قيل:
ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
لقد استفتح هذا الملحد رسالته هذه بالكذب، إذ ادعى لنفسه زورًا ويهتانًا أنه ممن أقامهم الله تعالى على سنة رسوله ﷺ النقية السمحة، مع ما أضاف إلى هذه الدعوى الكاذبة من تحريق آيات الكتاب العزيز. فنحن نورد من كلامه في رسالته هذه التي نحن بصدد الرد عليها ما ينقض دعواه، ويثبت أنه من أعداء سنة رسوله الله ﷺ فقد قال في صحيفة (٤٨) وما بعدها: "إن أحكام الدين لا يمكن أخذها من نصوص الكتاب والسنة لأن فيهما الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمطلق والمقيد – إلى آخر ما ذكره – قال: وإن كتب الحديث لا يوجد فيها بيان ولا إشارة تهدي إلى الصواب" وزعم " أن من رجح حكمًا على حكم مستندًا فيه إلى كتب الحديث، فإن ذلك ظن لا يفيد اليقين، بل يعد الأخذ به زندقة لا إسلامية" قال: "ومتى أجمعت الأمة على التعبد والتعامل بصحيح البخاري أو غيره؟ وأي عالم أو فقيه أفتى في حكم عن البخاري أو غيره؟ " يعني من كتب الحديث – إلى آخر ما قاله في حق أحاديث رسول الله ﷺ، وما قاله أيضًا في جملتها: الذين كابدوا الأسفار، وواصلوا الليل بالنهار في جمعها وتنقيحها، مما سنذكره في محله من ردنا هذا إن شاء الله تعالى. وهذا قليل من
1 / 17
كثير مما نشير إليه من مخالفات هذا الملحد لسنة رسول الله ﷺ بل ولكتاب الله تعالى الكريم. فكيف يدعي من هذه أقواله أنه ممن أقامهم الله تعالى على سنة رسوله ﷺ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
تحريف الملحد لكلام الله وتصرفه فيه فأما تحريق هذا الملحد لكتاب الله تعالى وتصرفه فيه بالزيغ: ففي قوله: "القائل من استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" فنسب تحريفه لهذه الآية وتصرفه فيها قولًا لله تعالى، والله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة، الآية: ٢٥٦] فقد أسقط شرط الاستمساك بالعروة الوثقى، وأبدل جواب الشرط الذي هو "فقد استمسك "، بمن التي لا تنطبق على سياق الآية ولا تدل على معناها، وليست قولًا لله، كما زعمه الملحد. وقد قال الإمام أبو حيان في تفسيره على هذه الآية: فالشرط هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. وجوابه: " فقد أستمسك بالعروة الوثقى" وأبرز في صورة الماضي المقرون بقد، الدالة في الماضي على تحقيقه، وإن كان مستقبلًا في المعنى لأنه إشعار بأنه مما وقع استمساكه وثبت، ذلك للمبالغة في ترتيب الجزاء على الشرط وأنه كائن لا محالة لا يمكن أن يتخلف عنه، انتهى. فمن هذا يتبين لك قدر أمانة هذا الملحد. فقد افترى أيضًا على بعض العلماء وحرف كلامهم عن مواضعه، وتقول عليهم ما لم يقولوه مما سيأتي بيانه في موضعه من رسالته هذه. قال الملحد: "أما بعد أيها الإخوان المتلقبون بالمتنورين، أراكم تدعون الناس لبدعه الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع التي جرت دعاتها قبلكم إلى ما لا نرضاه لكم، زين لهم الشيطان أعمالهم فظنوا أنهم من المهتدين. نحن وأنتم متفقون بالشهادتين مقرون بالأركان لا نختلف بأصول الإيمان ولا ننكر أركان الإسلام، غير أننا نقول بالمحكم ونرجع إليه، وأنتم تتبعون المتشابه وتعولون عليه. نحن نحتاط بما لا نرتاب، وأنتم لا تتحرجون مما يريب، نحن نعتمد
تحريف الملحد لكلام الله وتصرفه فيه فأما تحريق هذا الملحد لكتاب الله تعالى وتصرفه فيه بالزيغ: ففي قوله: "القائل من استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" فنسب تحريفه لهذه الآية وتصرفه فيها قولًا لله تعالى، والله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة، الآية: ٢٥٦] فقد أسقط شرط الاستمساك بالعروة الوثقى، وأبدل جواب الشرط الذي هو "فقد استمسك "، بمن التي لا تنطبق على سياق الآية ولا تدل على معناها، وليست قولًا لله، كما زعمه الملحد. وقد قال الإمام أبو حيان في تفسيره على هذه الآية: فالشرط هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. وجوابه: " فقد أستمسك بالعروة الوثقى" وأبرز في صورة الماضي المقرون بقد، الدالة في الماضي على تحقيقه، وإن كان مستقبلًا في المعنى لأنه إشعار بأنه مما وقع استمساكه وثبت، ذلك للمبالغة في ترتيب الجزاء على الشرط وأنه كائن لا محالة لا يمكن أن يتخلف عنه، انتهى. فمن هذا يتبين لك قدر أمانة هذا الملحد. فقد افترى أيضًا على بعض العلماء وحرف كلامهم عن مواضعه، وتقول عليهم ما لم يقولوه مما سيأتي بيانه في موضعه من رسالته هذه. قال الملحد: "أما بعد أيها الإخوان المتلقبون بالمتنورين، أراكم تدعون الناس لبدعه الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع التي جرت دعاتها قبلكم إلى ما لا نرضاه لكم، زين لهم الشيطان أعمالهم فظنوا أنهم من المهتدين. نحن وأنتم متفقون بالشهادتين مقرون بالأركان لا نختلف بأصول الإيمان ولا ننكر أركان الإسلام، غير أننا نقول بالمحكم ونرجع إليه، وأنتم تتبعون المتشابه وتعولون عليه. نحن نحتاط بما لا نرتاب، وأنتم لا تتحرجون مما يريب، نحن نعتمد
1 / 18
الإجماع والجماعة، وأنتم تترخصون بالانفراد والتأويل بالرأي. قمتم بعد أن ذهب الله بزعماء تلك المذاهب والنحل، وانتشرتم بعد أن طوى دعاة تلك البدع تدعون الناس بما لا ينفعهم في الدنيا ولا ينجيهم في الآخرة، تخلطون لهم الحق بالباطل والظن باليقين، تحرفون الكلم عن مواضعه، تقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله، تنادونهم ارجعوا إلى الدين وأنتم عنه أبعد، تأمرون بالبر وتنسون أنفسكم، تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم، ترسلون دعاة بأجسام إنسانية وأرواح شيطانية يوسوسون لأناس عاشوا في جهل أو قاموا حديثًا من مهد، ما عرفوا من الدين إلا الاسم وما نظروا من العلم إلا الرسم، فيزينون لهم غرورًا ويغوونهم شرورًا، والله لا يصلح عمل المفسدين".
أفاضل علماء مصر والهند والعراق الذين ردوا على دحلان والنبهاني أقول: أوردت كلام هذا الملحد جملة واحدة وإن كان كله كلام باطل مختلف لا يستحق النظر فيه ولا الالتفات إليه، فهو ينقض بعضه بعضًا، إلا أن في نشره والتنبيه عليه بيانًا لجهل هذا الملحد وعدم تقواه، وأن ليس له قدم راسخة فيما زعمه من الاستقامة على سنة رسول الله ﷺ النقية السمحة، بل هو من أعدائها وأعداء السائرين عليها. فقد عنى بخطابه هذا: كل من اتبع الكتاب والسنة، واقتفى أثر السلف الصالح من هذه الأمة محاربًا للبدع وأهلها. وفي مقدمة هؤلاء المخاطبين: العالم العلامة الشيخ محمود شكري الألوسي في بغداد، والشيخ جمال الدين القاسمي بالشام، والأمام الشيخ محمد عبده بمصر. فقد اشتهر هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى بمحاربة البدع ودعاتها، ورد أباطيلهم وخصوصًا منهم مشايخ هذا الملحد، وهما دحلان والنبهاني إمامي الضلال. فقد قلدهم هذا الملحد في إباحة الشرك في عبادة الله تعالى واتباع غير رسوله ﷺ وتكفير من خالفهم في مذهبهم الباطل. وقد رد عليهم علماء أهل السنة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية. نذكر منهم العالم الجليل والمحدث الشهير: الشيخ محمد بشير الهندي، له كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" ومنهم العالم العلامة الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين الهندي، له كتاب "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين" ردًا على دحلان، وغيرهما كثير
أفاضل علماء مصر والهند والعراق الذين ردوا على دحلان والنبهاني أقول: أوردت كلام هذا الملحد جملة واحدة وإن كان كله كلام باطل مختلف لا يستحق النظر فيه ولا الالتفات إليه، فهو ينقض بعضه بعضًا، إلا أن في نشره والتنبيه عليه بيانًا لجهل هذا الملحد وعدم تقواه، وأن ليس له قدم راسخة فيما زعمه من الاستقامة على سنة رسول الله ﷺ النقية السمحة، بل هو من أعدائها وأعداء السائرين عليها. فقد عنى بخطابه هذا: كل من اتبع الكتاب والسنة، واقتفى أثر السلف الصالح من هذه الأمة محاربًا للبدع وأهلها. وفي مقدمة هؤلاء المخاطبين: العالم العلامة الشيخ محمود شكري الألوسي في بغداد، والشيخ جمال الدين القاسمي بالشام، والأمام الشيخ محمد عبده بمصر. فقد اشتهر هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى بمحاربة البدع ودعاتها، ورد أباطيلهم وخصوصًا منهم مشايخ هذا الملحد، وهما دحلان والنبهاني إمامي الضلال. فقد قلدهم هذا الملحد في إباحة الشرك في عبادة الله تعالى واتباع غير رسوله ﷺ وتكفير من خالفهم في مذهبهم الباطل. وقد رد عليهم علماء أهل السنة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية. نذكر منهم العالم الجليل والمحدث الشهير: الشيخ محمد بشير الهندي، له كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" ومنهم العالم العلامة الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين الهندي، له كتاب "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين" ردًا على دحلان، وغيرهما كثير
1 / 19
من علماء الحجاز والعراق ونجد. منهم العالم العلامة الشيخ محمود شكري الألوسي، له كتاب "غاية الأماني في الرد على النبهاني" في مجلدين. وإذًا، فليس بغريب من هذا الملحد أن يخاطب هؤلاء العلماء الأعلام أولًا بالأخوة وبالاتفاق معهم على أصول الدين وأركان الإسلام. ثم بعد ذلك ينقلب عليهم بما يخرجهم عن دائرة الإسلام، حيث يقول مخاطبًا لهم: "إنكم تتبعون المتشابه وتعولون عليه، ولا تتخرجون مما يريب، وإنكم تترخصون بالانفراد والتأويل بالرأي، تدعون الناس لما لا ينفعهم في الدنيا ولا ينجيهم في الآخرة، تخلطون لهم الحق بالباطل، والظن باليقين، تحرفون الكلم عن مواضعه تقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله، تنادون بالرجوع إلى الدين وأنتم عنه أبعد، تأمرون بالبر وتنسون أنفسكم، تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم، ترسلون دعاة بأجسام إنسانية وأرواح شيطانية، يزينون للناس غرورًا ويغوونهم شرورًا، والله لا يصلح عمل المفسدين".
فهذا ما يقوله هذا الملحد في حق هؤلاء العلماء الأعلام، الذين أقر بالاتفاق معهم على أصول الدين وأركان الإسلام. فما ندري ماذا ترك لهم من هذه الأصول والأركان بعدما رماهم بهذه الفظائع التي لا يتصف بها إلا منافق عدو للإسلام والمسلمين؟.
وجوابنا عنها بأن نقول: سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم. فلسنا كما تقولون ولستم كما تدعون ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة، الآية: ١١١] .
ودعوة المرء تطفي نور بهجته ... هذا بحق، فكيف المدعي زللا؟
الرد على الملحد في زعمه أن الاجتهاد بدعة ... فأما قول هذا الملحد في مخاطبته لهؤلاء العلماء: "إني أراكم تدعون الناس لبدعة الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع" مقدمًا لها ومنوهًا بها على غيرها، فما ذاك إلا لأنها في مذهبه الباطل: أكبر بدعة في الدين، بل هي عنده: أكبر من جميع ما أسنده إليهم من أعمال المنافقين، وأعمال أهل الكتاب الذين
الرد على الملحد في زعمه أن الاجتهاد بدعة ... فأما قول هذا الملحد في مخاطبته لهؤلاء العلماء: "إني أراكم تدعون الناس لبدعة الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع" مقدمًا لها ومنوهًا بها على غيرها، فما ذاك إلا لأنها في مذهبه الباطل: أكبر بدعة في الدين، بل هي عنده: أكبر من جميع ما أسنده إليهم من أعمال المنافقين، وأعمال أهل الكتاب الذين
1 / 20
يحرفون الكلم عن مواضعه، يقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. فإن كل من خالف هؤلاء الضالين في مذهبهم الباطل المخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ يسمونه مجتهدًا خارجًا عن مذاهب الأئمة الأربعين، كما أنهم يسمون إجماعهم على ضلالهم ومن تبعهم من العوام "إجماع الأئمة" ومن خالفهم فقد خرق إجماع الأمة. فهذه براهينهم مبنية على الكذب والمغالطات، غير ملتفتين إلى ما أجمع عليه الأئمة الأربعة في أصول الدين، فضلًا عن فروعه. وهذا الملحد جاهل أعمى متبع لهواه لذلك يسمي الاجتهاد بدعة في الدين، ولم يدر هذا الجاهل الأحمق أن الرسول ﷺ جوز اجتهاد فرض من فروض الكفايات، لا يجوز خلو عصر منه. ونحن نسوق طرفًا من كلام العلماء في ذلك.
قول الإمام ابن القيم في الحض على الاجتهاد ... قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين": وقد جوز النبي ﷺ للحاكم أن يجتهد رأيه، وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرًا واحدًا، إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه. وقد اجتهد الصحابة ﵃ في زمن النبي ﷺ في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة واجتهد بعضهم فصلاها في الطريق. وقال: "لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض" فنظروا إلى المعنى. واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلًا، نظرًا إلى اللفظ. وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس. ولما كان علي ﵁ باليمن آتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام، فقال كل منهم: هو ابني، فأقرع علي ﵁ بينهم، فجعل الولد للقارع، وجعل للرجلين ثلثي الدية، فبلغ ذلك النبي ﷺ فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي. واجتهد سعد بن معاذ ﵁ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده، فصوبه النبي ﷺ وقال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات" واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فصليا ثم
قول الإمام ابن القيم في الحض على الاجتهاد ... قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين": وقد جوز النبي ﷺ للحاكم أن يجتهد رأيه، وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرًا واحدًا، إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه. وقد اجتهد الصحابة ﵃ في زمن النبي ﷺ في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة واجتهد بعضهم فصلاها في الطريق. وقال: "لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض" فنظروا إلى المعنى. واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلًا، نظرًا إلى اللفظ. وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس. ولما كان علي ﵁ باليمن آتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام، فقال كل منهم: هو ابني، فأقرع علي ﵁ بينهم، فجعل الولد للقارع، وجعل للرجلين ثلثي الدية، فبلغ ذلك النبي ﷺ فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي. واجتهد سعد بن معاذ ﵁ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده، فصوبه النبي ﷺ وقال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات" واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فصليا ثم
1 / 21
وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر. فصوبهما، وقال للذي لم يعد: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك" وقال للآخر: "لك الأجر مرتين" وقال الشعبي عن شريح قال: قال لي عمر ﵁: "اقض بما استبان لك من كتاب الله، فإن لم تعلم كتاب الله تعالى فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله ﷺ، فإن لم تعلم قضاء رسول الله فاقض بما استبان لك من قضاء الأئمة المجتهدين، فإن لم تعلم كل ماقضت به أئمة المجتهدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح" انتهى.
قول الإمام الشاطبي في مختصر تنقيح الفصول: إن الاجتهاد فرض كفاية ... وقال الإمام شهاب الدين أحمد القرافي المالكي في "مختصر تنقيح الفصول" الباب التاسع عشر في الاجتهاد مذهب مالك وجمهور العلماء: وجوبه، لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن، الآية: ١٦] إلى أن قال: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته ﵊ إلى أن قال – وأما وقوعه في زمانه ﵊ من غيره، فقيل: هو جائز في الحاضر والغائب لقول معاذ ﵁: "اجتهد رأيي" انتهى.
قول الجلال السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض ... وقال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض": وبعد، فإن الناس قد غلب عليهم الجهل، وعمهم وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكرًا بن العباد، ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر. وهذا كتاب في تحقيق ذلك سميته "الرد على من أخلد إلى الأرض جهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" وينحصر في أربعة أبواب: الباب الأول في ذكر نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعًا إخلاء العصر منه. اعلم أن نصوص العلماء من جميع المذاهب متفقة على ذلك، فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ﵁، ثم صاحبه المزني في مختصره،
قول الإمام الشاطبي في مختصر تنقيح الفصول: إن الاجتهاد فرض كفاية ... وقال الإمام شهاب الدين أحمد القرافي المالكي في "مختصر تنقيح الفصول" الباب التاسع عشر في الاجتهاد مذهب مالك وجمهور العلماء: وجوبه، لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن، الآية: ١٦] إلى أن قال: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته ﵊ إلى أن قال – وأما وقوعه في زمانه ﵊ من غيره، فقيل: هو جائز في الحاضر والغائب لقول معاذ ﵁: "اجتهد رأيي" انتهى.
قول الجلال السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض ... وقال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض": وبعد، فإن الناس قد غلب عليهم الجهل، وعمهم وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكرًا بن العباد، ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر. وهذا كتاب في تحقيق ذلك سميته "الرد على من أخلد إلى الأرض جهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" وينحصر في أربعة أبواب: الباب الأول في ذكر نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعًا إخلاء العصر منه. اعلم أن نصوص العلماء من جميع المذاهب متفقة على ذلك، فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ﵁، ثم صاحبه المزني في مختصره،
1 / 22
قال: "اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله: لأقربه على من أراده، مع إعلاميه نهيه عن وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط لنفسه" هذه عبارة المزني. فنقل عن الشافعي ﵁: "أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره" ولا شك أنه لا يمكن نهي الخلق بأسرهم عن التقليد لأن العوام يجوز لهم التقليد بالإجماع وإنما نهى الشافعي ﵁: أن يطبق أهل العصر كلهم على التقليد لأن فيه تعطيل فرض من فروض الكفايات وهو الاجتهاد، فحث على الاجتهاد ليكون في كل عصر من يقوم بهذا الفرض، هكذا قرر معنى النص الأصحاب ﵃ وسيأتي من عباراتهم ما يبين ذلك.
فصول من كتاب السيوطي في نصوص المحققين في الاجتهاد ... فصل وممن نص على ذلك: الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في أول كتابه "الحاوي الكبير" فقال عند سياق قول المزني السابق ما نصه: فإن قيل: فلم نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره، وتقليده جائز لمن استفتاه من العامة؟ قيل: التقليد مختلف باختلاف أحوال الناس بما فيهم من آلة الاجتهاد المؤدي إليه وعدمه. لأن طلب العلم من فروض الكفاية ولو منع جميع الناس من التقليد وكلفوا الاجتهاد لتعين فرض العلم على الكافة وفي هذا اختلال نظام وفساد. ولو كان يجمعهم التقليد لبطل الاجتهاد وسقط فرض العلم وفي هذا تعطيل الشريعة وذهاب العلم فلذلك وجب الاجتهاد على من تقع بع الكفاية ليكون الباقون تبعًا ومقلدين. قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة، الآية: ١٢٢] فلم يسقط الاجتهاد عن جميعهم ولا أمر به كافتهم. هذا كلام الماوردي بحروفه.
فصول من كتاب السيوطي في نصوص المحققين في الاجتهاد ... فصل وممن نص على ذلك: الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في أول كتابه "الحاوي الكبير" فقال عند سياق قول المزني السابق ما نصه: فإن قيل: فلم نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره، وتقليده جائز لمن استفتاه من العامة؟ قيل: التقليد مختلف باختلاف أحوال الناس بما فيهم من آلة الاجتهاد المؤدي إليه وعدمه. لأن طلب العلم من فروض الكفاية ولو منع جميع الناس من التقليد وكلفوا الاجتهاد لتعين فرض العلم على الكافة وفي هذا اختلال نظام وفساد. ولو كان يجمعهم التقليد لبطل الاجتهاد وسقط فرض العلم وفي هذا تعطيل الشريعة وذهاب العلم فلذلك وجب الاجتهاد على من تقع بع الكفاية ليكون الباقون تبعًا ومقلدين. قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة، الآية: ١٢٢] فلم يسقط الاجتهاد عن جميعهم ولا أمر به كافتهم. هذا كلام الماوردي بحروفه.
1 / 23
فصل
ذكر الروياني في البحر نحو ذلك، ثم قال:
فإن قيل: لم قال: لينظر فيه لدينه ويحتاط لنفسه. والأولى الاحتياط: في التقليد ليسلم المقلد من مخاطرة الخطأ والصواب فيه؟
قلنا: الأولى الاحتياط: في الاجتهاد، لأن المجتهد يقدم على الأمر على علم، والمقلد يقدم فيه على جهل. قال وقيل: هذا بيان العلة في النهي عن التقليد، يعني إنما نهى عن التقليد: ليستقصي طالب العلم في تعرف وجوه الأحكام ودلائلها، ثم ينظر فيها لدينه ويحتاط لنفسه.
فصل
وممن نص على ذلك: القاضي حسين – وهو شيخ البغوي – رحمهم الله تعالى قال في تعليقه (١): فصل وممن نص على ذلك: الزبيدي في "المسكت" فقال: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت وعهد وزمان. وذلك قليل من كثير. فأما أن يكون غير موجود كما قال الخصم: فليس بصواب، لأن لو عدم المجتهدون لم تقم الفرائض كلها، ولو بطلت الفرائض لحلت النقمة بذلك في الخلق، كما جاء الخبر: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ونحن نعوذ بالله أن نؤخذ مع الأشرار. هذه عبارة الزبيدي؛ ونقلها الزركشي في كتابه "البحر" في الأصول وقال: إن وجه ذلك: أن الخلو من مجتهد يلزم منه اجتماع الأمة على الخطأ، وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية، انتهى.
_________
(١) حصل هذا السقط حيث لم يورد قول القاضي حسين المروزي فقد عقد القاضي حسين في تعليقته بابًا في التقليد وأحكامه ومما قاله فيه: فأما العالم فرضه أن يعمل بعلم نفسه ولا يجوز له أن يعمل بقول الغير ويظهره لأن العالم له آله الدرك والاجتهاد. أ. هـ. [من تعليقة القاضي حسين المروزي نسخة أحمد الثالث بتركيا] .
1 / 24
فصل
وممن نص على ذلك الإمام محيي السنة أبو محمد البغوي في كتابه "التهذيب" وهو من أجل الكتب المصنفة في الفقه. قال في أوله ما نصه: العلم ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية – وذكر فرض العين – ثم قال: وفرض الكفاية: هو أن يتعلم ما يبلغ به رتبة الاجتهاد، ومحل الفتوى والقضاء، ويخرج من عداد المقلدين. فعلى كافة الناس القيام بتعلمه، غير أنه إذا قام من كل ناحية واحد أو اثنان سقط الفرض عن الباقين. فإذا قعد الكل عن تعلمه عصوا جميعًا لما فيه من تعطيل أحكام الشرع. قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة، الآية: ١٢٢] هذا لفظه بحروفه.
فصل
وقال ابن سراقة أحد أصحابنا في أول كتابه "إعجاز القرآن" في حكمة تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه. لو كان جميعه جليًا محكمًا لعدم الثواب على الاستنباط وسقط حكم الاجتهاد المؤدي إلى شرف المنزلة وعظم المروءة. ولهذا المعنى لم ينص الله تعالى على حكم جميع الحوادث مفصلًا. بل أبان بعضها وذكر أشياء في الجملة وكل بيانها إلى رسول ﷺ ليرفع بذلك درجته وتفتقر أمته في علم شريعته إليه. فأبان النبي ﷺ منها ما أبان ووكل ما يطرأ منها إلى العلماء بعده وجعلهم في علم التنزيل ورثته، والقائمين مقامه في إرشاد أمته إلى حكم التأويل ليعلو الطالب بتلك المنازل، ويفتقر الجاهل إلى العالم إذ كانت الدنيا دار تكليف وبلوى لا دار راحة. ولو كان العلم جليًا لا يحتاج إلى بحث واجتهاد، ولا إلى نظر واستنباط لكان علم التوحيد كذلك. فكان العلم بالله سبحانه ضرورة وكان في ذلك سقوط المثوبة وإبطال الشريعة، واستغنى عن العمل لطلب الثواب وخوف العقاب وهذه صفة الآخرة وحكم بقاء الخلق في الجنة. هذا كلام ابن سراقة.
1 / 25
فانظر كيف جعل ترك الاجتهاد مؤديًا إلى إبطال الشريعة، وهو نظير ما نص عليه غيره، انتهى.
ثم سرد المصنف (١) ﵀ نصوص الأئمة عاقدًا لكل قول إمام فصلًا، كما نقلناه في الفصول المتقدمة. ولعدم التطويل نسرد أسماء من ذكرهم. قال: وممن نص على ذلك: إمام الحرمين في النهاية، وممن نص على ذلك مجلى في الذخائر وممن نص على ذلك: أبو حامد الغزالي في كتاب البسيط. وممن نص على ذلك: الإمام الرافعي. وممن نص على ذلك: الإمام تقي الدين أبو عمرو ابن الصلاح في كتابه أدب الفتيا. وممن نص على ذلك: الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه الغاية. وممن نص على ذلك: الإمام محيي الدين النووي في شرح المهذب، وممن نص على ذلك: الفقيه نجم الدين ابن الرفعة في الكفاية. وممن نص على ذلك: الإمام بدر الدين الزركشي في كتاب القواعد. وممن نص على ذلك من أئمة المالكية: القاضي أبو الحسن علي بن عمر البغدادي المعروف بابن القصار، والإمام القرافي، والقاضي عبد الوهاب، ومن أئمة الحنفية والحنابلة نقل أبن الحاجب في (مختصره في الأصول) وابن الساعاتي من الحنفية في كتابه (البديع في الأصول) عن الحنابلة، أنهم قالوا: لا يجوز عقلًا خلو العصر من مجتهد، وعلله بأن الاجتهاد فرض كفاية، والخلو عنه يستلزم اتفاق الأمة على الباطل، انتهى.
قال: فقد صرحوا في استدلالهم بأن الاجتهاد فرض كفاية، ثم قال: فصل فيما شرط فيه الفقهاء الاجتهاد من الأمور التي هي فرض كفاية، وذلك يؤول إلى أن الاجتهاد نفسه فرض كفاية. من ذلك: الإمامة العظمى، أطبق العلماء من الشافعية والمالكية والحنابلة على أن يشترط فيمن ينصب إمامًا للأمة أن يكون مجتهدًا – إلى أن قال -: ومن ذلك القضاء. نص الشافعي رحمه الله تعالى والأصحاب بأسرهم على أنه يشترط في القاضي أن يكون مجتهدًا، وكذلك
_________
(١) يعني بالمصنف السيوطي في كتابه: "الرد على من أخلد إلى الأرض" كما في ص٢٢.
1 / 26