225

Akhlaq Cinda Ghazali

الأخلاق عند الغزالي

Genres

كتب الغزالي في الفقه، ولكن لم يجدد مذهبه إلا بمقدار، فلم يثر فتنة. وكتب في المنطق، ولكنه لم يزد عن سواه غير الإبانة والإيضاح. وكتب في الأصول، ولكن بحيث لا يثير الخصومة، ولا يهيج اللدد. وكتب في الفلسفة. ولكنه لم يزد على أن تغنى بليلى معاصريه. وكتب في التوحيد، فلم يخالف الأشاعرة إلا قليلا، فظل مستور الحال.

وما كتب «الإحياء» حتى التفت الناس إليه من كل جانب، وسار اسمه مسير الشمس، وشغلت به جميع القلوب، شوقا إليه أو عتبا عليه، أو بغضا له، أو رفقا به. وقد شهد هذه الضجة، وسمع هذه الصيحة، وهو حي يرزق. وحاول أن يهدي ناقديه بكتاب يوضح فيه ما غمض في الإحياء، وهو «الإملاء على إشكالات الإحياء» ولكنه في الواقع لم يزده إلا إشكالا إلى إشكال. فلج الناس في المراء فوضع كتابه «المنهاج» على أن يكون موضع وفاق، فكان في الواقع أيضا ضغثا على إبالة، ثم مات الغزالي قبل أن يحسم هذا النزاع، فلم تهدأ العاصفة بموته، بل قامت قيامة الجدل بين تلامذته وبين خصومه، ولا يزالون مختلفين!

ويمكن الحكم بأن الخصومة التي كانت بين أنصار الغزالي وبين خصومه كانت خصومة بين الشريعة والتصوف، فإن أنصار الغزالي جميعا صوفية، أو شبه صوفية، وخصومه جميعا من علماء الشريعة، وأبعدهم غورا في النيل منه هم المتصدرون للفتيا والقضاء.

فبينا نجد ابن القيم يرميه (بالتخليط والهذيان) نجد أبا الحسن الشاذلي يذكر أنه رأى النبي

صلى الله عليه وسلم

في منامه وقد باهى موسى وعيسى بالغزالي. وقال: أفي أمتيكما حبر كهذا؟ فقالا: لا! ونجد أبا العباس المرسي يشهد له بالصديقية العظمى! وليت شعري ما هيه؟

والفرق كبير بين من يرميه بالتخليط والهذيان وبين من يحلم بأن لا نظير له في أمة موسى وعيسى عليهما السلام.

وقد قدمت لك شيئا من المنامات المتعلقة به، وبينت ما لها من أسباب، وأزيد الآن أن كل هذه المنامات مسببة عن «الإحياء» فهي تارة تقع لناقدي ذاك الكتاب، وتارة تقع للمنتفعين به من علماء الإسلام.

والذين أحرقوا «الإحياء» لم يحرقوه لأنه كتاب هين، والذين ألفوا الكتب في نقده، لم يفعلوا ذلك لأنه كتاب هين، وإنما نقده هؤلاء، وأحرقه أولئك، لأنه فيما يرونه كتاب خطر، وليكن خطرا على الإسلام والمسلمين، وليكن كتاب شر وفتنة، وليكن كتلة زندقة وإلحاد، فهو على كل حال كتاب رهيب خشيه أولئك الناس، وهذا ما يعنينا الآن.

وأشهر من نقد «الإحياء» الإمام أبو عبد الله المأزري المالكي المتوفى سنة 536ه وقد ناقشه السبكي في طبقاته، فليرجع إليه من شاء، ويتلخص نقد المأزري في أن الغزالي غير ثقة فيما تعرض له من الفنون، وأن كتابه «متردد بين مذاهب الموحدين والفلاسفة وأصحاب الإشارات» ويتلخص رد السبكي في رمي المأزري بالحسد والكيد للصوفية في شخص الغزالي، وممن نقده أبو الوليد الطرشوشي وتجد جملة من نقده في الجزء الأول من شرح «الإحياء» للزبيدي. فأما الذين كتبوا في فضل الإحياء فهم كثير: منهم الشيخ عبد القادر العيدروس، وضع كتابا سماه: «تعريف الأحياء، بفضل الإحياء» وفي أيدي الناس كتاب لبعض الفضلاء اسمه: «بغية القاصدين لفضائل إحياء علوم الدين».

Unknown page