كلانا سواءٌ في الهوى غير أنّها ... تجلد أحيانًا وما بي من تجلّد
تخاف وعيد الكاشحين وإنّما ... جنوني عليها حين أنهي وأوعد
فبلغ مولاه شعره فقال: وإنّ فيه لهذا الفضل! فركب من وقته إلى القرشيّ فقال له: أسألك أن تبيعني هذه الجّارية بأيّ ثمنٍ شئت. فقال: ما أفعل حتّى أعرف السّبب في ذلك. فعرّفه الخبر وأنشده البيتين، فقال: أشهدك إنّي قد وهبت له الجّارية، وأنا أعطي الله عهدًا أن أخذت لها ثمنًا أبدًا، لشفاعتك وأدب الغلام. ووجّه الجّارية معه فدفعها إلى الغلام.
قالوا كان المتوكّل جالسًا يومًا في القصر الذي يقال له المختار إذ مرّ خادمٌ أسودٌ لفتيحة مبادرًا يريد الدّخول إلى دار النّساء، فسقط منه كتابٌ مختومٌ، فأمر من جاءه بالكتاب وفتحه فإذا فيه مكتوبٌ:
أكثري المحو في الكتاب ومحّه بريق اللسان لا بالبنان
وأمرّي الختام فوق ثنايا ... ك العذاب المفلجات الحسان
إنّني كلّما مررت بحرفٍ ... فيه محوٌ لطعته بلساني
فأراها تقبيلة من بعيدٍ ... أهديت لي وما برحت مكاني
فقال: يا فتح ما ترى؟ قلد اجترأ ليّ من كتب هذا الشّعر! عليّ بالخادم. فأتي به، وقد علم الخادم إنّ الكتاب سقط منه فطار عقله