43

Al-Akhbār al-Mawaffiqiyyāt liʾl-Zubayr b. Bakkār

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

Editor

سامي مكي العاني

Publisher

عالم الكتب

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

Publisher Location

بيروت

ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي، قَالَ: بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً فَعَطِشَ، فَظَنَّ أَنِّي نَائِمٌ، وَأَنَا مُنْتَبِهٌ أَرَى كَلَّ مَا يَصْنَعُ، فَكَرِهَ أَنْ يَدْعُوَ الْغُلامَ فَانْتَبَهَ، فَمَضَى إِلَى بَرَّادَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، فَأَخَذَ كُوزًا مِنْهَا فَشَرِبَ مَاءَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُسْرِعًا فَلَمَّا دَنَا مِنْ فِرَاشِي خَطَا خُطَى لِصٍّ خَائِفٍ لَكِي لا أَنْتَبِهَ، ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَبِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَنَحْنُ بِالشَّامِ، وَمَا مَعِي أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أُبَائِقُهُ وَأَتَفَقَّدُ مَا يَصْنَعُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنِّي قَدْ نِمْتُ.
قَالَ: فَعَرَضَ لَهُ سُعَالٌ فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ أَخَذَ كُمَّ قَمِيصِهِ فَجَمَّهُ، ثُمَّ حَشَا بِهِ فَمَهُ، فَرَدَّ فِيهِ سُعَالَهُ لِئَلا يُنَبِّهَنِي.
قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَرْعَى حَرَكَتِي وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَهُمَّ بِالنُّهُوضِ لِلْصَلاةِ، وَأَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَسْفَرَ شَدِيدًا، فَلَمَّا عَلِمْتُ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ ضَاقَ عَلَيْهِ، تَحَرَّكْتُ.
فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبرُ، يَا غُلامُ، نَبِّهْ أَبَا مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ مَبِيتَكَ؟ قُلْتُ: بِخَيرٍ يَا سَيِّدِي.
قَالَ: إِنَّ الشِّيعَةَ أَشَدُّ رِعَايَةً لِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ.
مُذْ كَمْ تَرَانِي أَتَقَلَّبُ وَأَتَحَرَّكُ لِلْصَلاةِ فَيَمْنَعُنِي مِنَ النُّهُوضِ نَحْوَهَا نَوْمُكَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُوْقِظَكَ وَفِي عَيْنِكَ بَاقٍ مِنْ سِنَتِكَ فَأَقْطَعَهَا عَنْكَ.
فَقُلْتُ: لِذَلِكَ جَعَلَكُمُ اللَّهُ أَرْبَابًا وَجَعَلَنَا لَكُمْ عَبِيدًا، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ أَخْلاقُكُمْ.
ثُمَّ نَهَضَ لِلَصَّلاةِ.
وَقَالَ لِي أَيْضَا: وَمِنْ كَرِيمِ أَخْلاقِهِ، أَنِّي كُنْتُ أُمَاشِيهِ فِي بُسْتَانِ مُوسَى، وَالشَّمْسُ عَلَى يَسَارِي، وَالْمَأْمُونُ فِي الظِّلِّ، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِي، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ إِذْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ، قَالَ لِي: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّكَ جِئْتَ وَعَلَى يَسَارِكَ الشَّمْسُ، وَقَدْ أَخَذَتْ مِنْكَ، فَكُنْ أَنْتَ فِي مُنْصَرَفِنَا حَيْثُ كُنْتُ، وَأَكُونُ حَيْثُ كُنْتَ.
قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَقِيَكَ بِنَفْسِي مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ لَفَعَلْتُ فِيكَ، لا أَصْبِرُ عَلَى أَذَى الشَّمْسِ لَحْظَةً.
قَالَ: وَاللَّهِ لا بُدَّ مِنْهَا، آخُذُ مِنْهَا كَمَا أَخَذتْ مِنْكَ.
قَالَ: فَصَارَ الْمَأْمُونُ فِي مَوْضِعِي، وَصِرْتُ فِي مَوْضِعِهِ، وَتَمَاشَيْنَا، وَأَخَذَ بِيَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ الْعَدْلِ أَنْ يَعْدِلَ الرَّجُلُ عَلَى بِطَانَتِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ ذَاكَ إِلَى الطَّبَقَةِ السُّفْلَى
حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " قَالَ الْمَأْمُونُ يومَ خَمِيسٍ، وَنَحْنُ حُضُورٌ مَعَ النَّاسِ فِي الدَّارِ، لَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ: عَلَيَّ بِإِسْمَاعِيلَ.

1 / 43