Akhbar Muwaffaqiyyat
الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار
Investigator
سامي مكي العاني
Publisher
عالم الكتب
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤١٦هـ-١٩٩٦م
Publisher Location
بيروت
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمَوْتَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَفَضْحَ أَهْلهَا، فَبَيْنَمَا الْمَرْءُ مَهِيبٌ عَزِيزٌ إِذَ صَارَ فِي التُّرَابِ مَهِينًا ذَلِيلا، بَيْنَمَا هُوَ ذُو الْجَمْعِ وَالتَّبَعِ، إِذَ تَفَرَّقَ عَنْهُ ذَلِكَ أَجْمَعُ، إِنَّمَا هُوَ دَبِيبٌ مِنْ سَقَمٍ حَتَّى يَؤْخَذَ بِالْكَظْمِ وَتَزِلَّ الْقَدَمُ، وَيَقَعَ النَّدَمُ، فَلا تَوْبَةٌ تُنَالُ، وَلا عَثْرَةٌ تُقَالُ، وَلا يُقْبَلُ فِدَاءٌ بِمَالٍ، إِنَّمَا هِيَ لَحْظَةٌ حَتَّى يُخْرَسَ اللِّسَانُ، وَيُصَمَّ السَّمْعُ، وَيُعْمَى الْبَصَرُ، وَيُذْهَلُ الْعَقْلُ، فَكَمْ مِنْ مُعَايِنٍ لِرُسُلِ رَبِّهِ، قَدْ صَغُرَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ جَنْبَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، نَدِمَ الْمِسْكِينُ، فَلَمْ يَنْفَعَهُ نَدَمُهُ، فِي مِنْهَاجِهِ، فَقَالَ: فِي كِتَابِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩]، مَا يَصْنَعُ بِالرَّجْعَةِ الْمِسْكِينُ؟، أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دَارِهِ فَيُبَدِّدَ مَا جَمَعَ مِنْ مَالِهِ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُمْ نَدِمُوا فِي ثَلاثَةِ مَوَاطِنَ: نَدِمُوا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَنَدِمُوا وَهُمْ فِي النُّشُورِ، وَنَدِمُوا وَهُمْ فِي النِّيرَانِ، فَقَالَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٩٩-١٠٠] فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ.
وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠]، هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ ﵎، وَهُمْ فِي النُّشُورِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] .
وَقَالُوا: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [فاطر: ٣٧] فَنَظَرَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ، وَبَادَرَ امْرُؤٌ بِعَمَلِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذُ بِالْكَظْمِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ مَنْ مَاتَ وَأُدْخِلَ النَّارُ، وَعَايَنَ بَلايَاهَا ثُمَّ سَأَلَ الرَّجْعَةَ، وَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، وَرَجَعَ إِلَى دُنْيَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلْيَفْعَلْ.
قَالَ: فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بُكَاءً شَدِيدًا، فَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: إِنَّا بَعْدُ لَمْ نَخْرُجْ مِنَ الدُّورِ، وَإِنَّا بَعْدُ لَمْ نَصِرْ إِلَى الْقُبُورِ، وَإِنَّا بَعْدُ لَمْ نَخْتَبِرْ عَظَائِمَ تِلْكَ الأُمُورِ، وَرَسُولُ رَبِّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَيْنَا سَرِيعٌ، وَكُلُّنَا بِسُرْعَتِهِ جَاهِلٌ مَغْرُورٌ.
1 / 143