غير خاف على المسامع الشريفة هذه الحوادث العظيمة الواقعة في قطر اليمن مرة بعد أخرى منذ سنين وأعوام، وما وقع خلالها من إراقة الدماء وذهاب الأموال، وهدم دور وبيوت وانتهاك حرم عظام، حتى صارت حوادث اليمن سمعة في الأقطار، ووهن بسببها للمسلمين الشعار، وصار عقلاؤهم يخافون عاقبة الأمور، وأهل الملل الكفرية يحصل لهم بذلك السرور، ولقد شاع وذاع أنهم يدبرون الحيل في تشتيت أمر أهل التوحيد وتفريق جمعهم بالوسائط ولو من بعيد ولهذه القضية صارت الأفكار حائرة إذ المسلمون يضرب بعضهم رقاب بعض ويدعون للفرق الكافرة، وصارت لنظم هذه المكيدة حضرة الباشا الأكرم والأمير المفخم قومندان العموم أحمد عزت باشا جمع الله به شمل المسلمين متأسفا أشد الأسف لعظيم مودته لأهل اليمن وشفقته بهم خصوصا سادات الناس وأشرافهم ، وصار باذلا جده في جمع شملهم وإصلاح شأنهم وحسم المادة التي بسببها أريقت الدماء ليعود كيد الأجانب في نحورهم، وتبطل ما تسول لهم خبائث ضمائرهم، ومعلوم عند مولانا ما لسلاطين الإسلام من الفتوحات السابقة وحفظ الثغور والقيام في نحور الأعداء وحماية الحرمين وتعظيم شعائر الإسلام، ومعلوم أيضا ما وقع في بعض الأقاليم من تغلب الأجانب على بلاد الإسلام وذلك لما شاعت لديهم مكائد الأعداء اللئام ولم تبق دولة إسلامية مستقلة غير الدولة العثمانية وغيرها صار يناح عليها ويبكى، كيف دولة الغرب وإقليمية وعلماءه ورؤساءه اكتنفتها الحوادث حتى أضحت رمما، وحيث أن القومندان الأكرم حفظه الله له نية صالحة وأنبأ عن ذلك حسن أفعاله الظاهرة من الإنصاف والسماحة والعفو وكظم الغيظ ومراعاة مصالح الإسلام رغب في مواصلتكم لما يعرفه من واجب حقكم وصلاح نيتكم فصدرت منه المكاتبة المباركة إن شاء الله بما هو الواقع وتدركه الأفهام لحسن ظنه فيكم وحرصه على حفظ شرف الإسلام ومعرفة قدر كم ليعلو بذلك الإسلام وملته وتنهدم رسوم الكفر وأبنيته ولزيادة الشرف لكم عند الرب جل جلاله فلم يأت أحد من أسلافه مثله في مراعاة ما ينظم نفعه، فيرجو إن شاء الله من حضرتكم الشريفة عقيب الاطلاع على ما حواه مرسومه الشريف القبول لما تتضمنه المساعدة والجواب الشافي، فإنه لم يحرر ذلك إلا راجيا منكم القبول، لحسن ظنه ورعايته لأهل بيت الرسول، ومعلوم لحضرتكم أن الموافقة فيما هذا حاله يعود نفعها لمصلحة العموم في تقوية كلمة الدين وعز المسلمين.
وأما الأمور المتعلقة بالرعايا والمأمورين وما ينوب ويعرض من أفراد القضايا، فمع الاتصال والمراجعة يسهل أمرها لا سيما والمومأ إليه ممن له الكلمة النافذة والقول المقبول فيما رآه صلاحا، فإذا وقعت المراجعة بينكم بالرسائل المكتوبة فعسى تصلح الأمور على مطابقة رضاء الله سبحانه، ونسأل الله باسمه الأعظم أن يصلح أحوال أهل الإسلام ويحسن الختام، ودمتم في حفظ الله تعالى وشريف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . حرر في شهر جمادى الأولى سنة 1329.
وتعقب هذا خروج شيخنا المذكور والوالد العلامة قاسم بن حسين العزي إلى الإمام إلى خمر في يوم السبت ثامن وعشرين جمادى الآخرة من هذه السنة فتراجعوا مع الإمام وأعيان رجاله.
قال الوالد قاسم العزي : وكتب القاضي حسين بن أحمد العرشي وهم في المذاكرة إلى الإمام:
قالوا اللحية والبنادر كلها ... مأخوذة فإلى متى الإعراض
أإلى انتصار المتهمين وقد بدت ... راياتهم نصبت لها الأغراض
ما عذرنا ما قولنا ما عندنا ... ماذا به المجد الرفيع يعاض
ما الاشتغال به بأية آية ... نام اللبيب وما به إغماض
فأجاب عليه الوالد قاسم بقوله:
قمنا لمصلحة رأينا وجهها ... فدع الملام فإنه أحماض
فأجابه القاضي حسين بالموقف بقوله:
Page 242