وماذا تفعل في مصر؟ هل تنوي ...
قال مؤكدا كلامه وهو ينظر طويلا إلى وجهها الطيب الذي لم تفارقه براءة طفل لا يكف عن الشقاوة والضحك: لا لا. رجعت نهائيا وفتحت دار حضانة في البلد.
صاحت متعجبة وهي لا تستطيع أن تكتم نفسها من الضحك: حضانة؟ بعد العمر الطويل هناك؟ حسبتك ستفتح كلية أو جامعة أو حتى مدرسة خاصة للغات. - صبرك بالله، أنا كنت اليوم في الوزارة لإتمام إجراءات التصريح بفتح مدرسة ابتدائية في البلد. مدرسة مخصصة للأيتام والفقراء، وماذا تفعلين أنت؟ - أيتام وفقراء؟ لم تتغير أبدا يا صابر. أنا ناظرة مدرسة لغات خاصة، آه لا بد أن أذهب الآن. انتظر، هذه ورقة. أكتب عليها العنوان ورقم التليفون ... وإياك أن ترجع إلى مصر مرة أخرى ولا تتصل بي.
قال ضاحكا وهو يضع الورقة في جيبه ويفرد شمسيته: على الأقل لأشرب فنجان القهوة على حسابك.
وقبل أن تمد يدها لتصافحه تأملته طويلا وقالت: على فكرة ... هل تذكر نعمة؟
خفق قلبه وكتم صيحته: نعمة المرواني؟ هل يمكن أن أنسى صديقتك؟
وتراءت له الألماسة التي كانت الفحمة الطيبة تلازمها كظلها، وأيقظه الصوت ذو الرنين الحنون من شطحات في غير أوانها: زوجها مات من شهرين. مات بالسكتة وترك لها مروان الصغير. مسكينة. نحن على اتصال باستمرار. لا يصح أن يفوتك القيام بالواجب. خذ. أكتب العنوان. يمكنك أن تذهب إليها الآن. الوقت مناسب والعنوان سهل. مع السلامة ولا تنس أن تسلم لي عليها، مع السلامة.
طوى شمسيته البيضاء وأشار إلى أول سيارة أجرة وقعت عليها عيناه. •••
عندما خرج من باب المدرج الصغير الذي استمع فيه مع زملائه وزميلاته إلى محاضرة الشعر وجدهما واقفتين على الباب. منعه خجله الريفي وربما ارتباكه الدائم وتسارع نبضه المجنون كلما رآها، أن ينظر ناحيتهما، ولكنه فوجئ بصوت صبرية تنادي عليه في غضب واضح: يا صابر، أنت يا شاعر الغبرا.
توقف والتفت إليها ورأى الألماسة الناصعة تبتسم كعادتها ابتسامة الجوكندا الغامضة. أسرعت الفحمة الطيبة قائلة: نحن لم نفهم شيئا من المحاضرة. هل الدكتور أستاذ أم شاعر؟
Unknown page