Ahsan Al-Manahiyy fi Ithbat An Al-Rasm Al-Uthmani Tawqifi La Ishtilahi
أحسن المناحي في إثبات أن الرسم العثماني توقيفي لا اصطلاحي
Genres
أَحْسَنُ المَنَاحِي فِيِ إِثْبِاتِ أَنَّ الرَّسْمَ العُثْمَانِي تَوْقِيِفِي لَا اصْطِلَاحِي
د عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ
مُلَخَّصُ البَحْثِ
هذا بحث مختصر مفيد، تناول فيه الباحث موضوعَ الرَّسْمِ العُثْمَانِي بين التَوْقِيِفِ والاصْطِلَاحِ، فحسم تلك القضية التي طال حولها الجدل، وعالجها بأسلوب علمي مختصر رصين، قريب التناول سهل المأخذ، مقرونًا بالأدلة مدعومًا بالعلل، وقد تجنب فيه التطويلَ المؤدي للملل، راجيًا أن يكون قد سد به الخلل، وقد وسمه بـ "أَحْسَنِ المَنَاحِي فِيِ إِثْبِاتِ أَنَّ الرَّسْمَ العُثْمَانِي تَوْقِيِفِي لَا اصْطِلَاحِي"، سائلًا اللهَ التوفيق لسلامة الاعتقاد وحسن القصد والعمل.
المقدمة
الحمدُ لله الذي أنزلَ كتابَه المجيدَ على أحسنِ أسلوب، وبهرَ بحسنِ أساليبِه وبلاغةِ تركيبِه القلوب، نزَّله آياتٍ بيِّناتٍ، وفصَّله سورًا وآياتٍ، ورتَّبَه بحكمتِه البالغةِ أحسنَ ترتيب، نظَمَه أعظمَ نظامٍ بأفصحِ لفظٍ وأبلغِ تركيبٍ، وصلَّى الله على من أُنزل إليه لينذرَ به وذكرى، ونزله على قلبهِ الشَّريفِ فنفى عنه الحرجَ وشرحَ له صدرًا، وعلى آله وصحبِه مهاجرةً ونصرًا .... (^١)
أما بعد
خطة البحث
وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من فصلين، وقد أدرج تحت كل فصل عددًا من المباحث، ثم أدرج تحت كل مبحث عددًا من المطالب، وقد بيَّن فيه ما يلي:
أولًا: أهمية موضوع البحث
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
خامسًا: منهج البحث
سادسًا: خاتمة البحث، وبيان
_________
(^١) يُنظر: أسرار ترتيب القرآن للسيوطي: (ص: ٦٥). أسرار ترتيب القرآن المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١ هـ) الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع عدد الأجزاء: ١.
78 / 7
أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة.
سابعًا: مجموع الفهارس
وخطة البحث تتكون من فصلين، ويندرج تحت كل فصل عدد من المباحث، وكل مبحث يندرج تحته عدد من المطالب على النحو التالي:
الفصل الأول
الرسم العثماني بين التوقيف والاصطلاح
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الرسم العثماني توقيفي أم اصطلاحي؟
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المقصود بعبارة الرسم العثماني "توقيفي"
المطلب الثاني: المقصود بعبارة الرسم العثماني " اصطلاحي "
المطلب الثالث: اختلاف العلماء في طريقة رسم المصحف: هل هو توقيفي أم اصطلاحي؟
المبحث الثاني: آراء العلماء في الرسم العثماني
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: الرأي الأول: أن الرسم المصحفي توقيفي
المطلب الثاني: حجج أصحاب الرأي الأول
المطلب الثالث: أبرز ما استدل به أصحاب الرأي الأول
المطلب الرابع: الرأي الثاني: أن الرسم المصحفي ليس توقيفيًا
المطلب الخامس: أقوال أصحاب الرأي الثاني
المطلب السادس: جواب أهل الرأي الثاني
المطلب السابع: الرأي الثالث: إبقاء الرسم العثماني على ما هو عليه لينتفع به العلماء خاصة
المطلب الثامن: جواب أهل الرأي الثالث
الفصل الثاني
أبرز قرارات وفتاوى المجامع الفقهية ومراكز الفتوى في العالم الإسلامي حول "الرسم العثماني"
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: قرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: القرار الأول لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول: (كتابة القرآن بلغة غير اللغة العربية)
المطلب الثاني: القرار الثاني لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول: (كتابة المصحف بطريقة الإملاء العادية)
المبحث الثاني: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي
78 / 8
بمكة المكرمة - وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بـ" المملكة العربية السعودية"
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: القرار الأول للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
المطلب الثاني: القرار الثاني المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
المطلب الثالث: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء - بـ" المملكة العربية السعودية"
المبحث الثالث: قرارات وفتاوى المجامع العلمية بـ "مصر"
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر - بالقاهرة
المطلب الثاني: قرار فتوى دار الإفتاء المصرية، وقرار مجمع البحوث الإسلاميّة بالأزهر
المطلب الثالث: قرار لجنة الفتوى بالأزهر
المطلب الرابع: ذكر أحسن ما قيل ونُظِمَ في الرد على من قال بأن العامة لا تعرف مرسوم المصحف
المطلب الخامس: القول الراجح القاضي بتوقيف الرسم العثماني
منهجية البحث
أولًا: أهمية موضوع البحث
تكمن أهمية موضوع البحث في وجوب عناية الأمة بكتاب ربها من كل الجوانب، ولا سيما فيما يتعلق بالرسم العثماني، وتناول هذا البحث وأمثاله من الدراسات العلمية الجادة مما يجدد معالم هذا الموضوع ويثير كوامن الباحثين ويشحذ هممهم نحو تجدد تناوله وعرضه بأسلوب سهل وأسس علمية أصيلة ليبقى الرسم العثماني الذي نزل به القرآن محتفظًا بأصوله التي كان عليها يوم التنزل الأول كما هو، وكما كُتب بين من أنزل الله عليه- ﷺ، وكما جمعه الصديق الأول- ﵁ ولأول مرة بين اللوحين، ومرورًا بالرسم الذي استقرت عليه الصحف العثماني وأجمعت الأمة عليه، وهو الذي يراه كل مسلم في أي مصحف من مصاحف الدنيا بين يديه.
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
الدراسة الأولى: "رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة" المؤلف: شعبان محمد إسماعيل الناشر: دار السلام للطباعة والنشر الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: ١.
وصف البحث:
تناولت تلك الدراسة مواضيع متنوعة متعلقة بموضوع البحث الرئيس وكان من أبرزها موضوع: "الرسم العثماني"، وهل كتابة المصحف بهذا الرسم تعد كتابة توقيفية لا يجوز مخالفتها ولا تعديها إلى غيرها، أم أنها ليست توقيفية، وإذا كانت اصطلاحية وغير توقيفية فهل فيجوز الاجتهاد فيها بأن يُكْتب المصحفُ فيها وفق
78 / 9
القواعد الإملائية الحديثة؟.
وقد خلصت تلك الدراسة إلى توقيفية الرسم العثماني وإلى أنه لا يجوز العدول عنه إلا الرسم الإملائي.
الدراسة الثانية: "الرسم العثماني وعلاقته بالقراءات القرآنية"
المؤلف: أد. محمد خازر المجالي- أستاذ التفسير وعلو القرآن- الجامعة الأردنية- جامعة قطر.
وصف البحث:
تناول المؤلف في هذا الكتاب نشأة القراءات القرآنية، وسبب اختلافها، وبيان مصطلح الرسم العثماني، وحكم التزامه، وقواعد رسم المصحف، ثم بيان أنواع الاختلاف بين القراءات، وركّز المؤلف على بيان العلاقة بين رسم المصحف والقراءات القرآنية.
ولم يقف الباحث على أي معلومات عن تلك الدراسة سوى ما ذكره آنفًا.
الدراسة الثالثة: "علاقة القراءات القرآنية بالرسم العثماني"
تأليف الدكتور/ عبد القادر مقتيت. أستاذ بكلية العلوم الانسانية والعلوم الاسلامية بجامعة أحمد بن بلة وهران ١ - الجزائر- تخصص أصول الفقه والمقاصد.
وصف البحث:
يقول مؤلفه: إن العلاقة بين القراءات القرآنية والرسم العثماني علاقة تلازمية، فالإعجاز القرآني حاصل باللفظ والرسم، وهذا ما سيحاول الطالب إثباته في هذه الرسالة
من خلال منهج مميز مهيكل في ثلاثة مباحث جامعة، تناول الأول منها بيان حد القراءة، ونشأتها، وأركانها، وأقسامها، وأما الثاني فجمع مقدمات حول الرسم العثماني، مفهومه، وقواعده، وحكمه، ومواقف العلماء منه، وشيء من المؤلفات فيه، كما عرجت إلى مسألة اختلف فيها السلف والخلف وهي مسألة التحسينات المصحفية، وقد اكتفيت بذكر بعض أنواعها مع شد وثاقها بضوابط حسان تكون حاسمة للخلف فما يظهر، وفي المبحث الثالث ثمّ ملامسة المقصود ببيان العلاقة بين القراءات والرسم، من جهة احتواء الرسم للأحرف السبعة تنظيرًا وتطبيقًا، ومن جهة الأثر المتمثل اختلاف قراءة بعض الألفاظ القرآنية في رسم الكلمات في المصحف، وقد ختمت الرسالة بنتاج فيه الجزم بإثبات توقيفية الرسم.
وقد خلصت تلك الدراسة إلى إثبات توقيفية الرسم. ولم يقف الباحث على أي معلومات عن تلك الدراسة سوى ما ذكره آنفًا.
أبرز ما تميز به هذ البحث عن الدراسات السابقة:
لقد تناولت الدراسات السابقة مواضيع متنوعة متعلقة بموضوع البحث
78 / 10
الرئيس والتي كان من جملتها موضوع: " توقيف الرسم العثماني"، أما هذه الدراسة فقد ركزت على تناول الأقوال والآراء الواردة في قضية الرَّسْمَ العُثْمَانِي بين التَوْقِيِفِ والاصْطِلَاحِ والرد على كل قول منها بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة والأجوبة المقنعة، وبينت القول الراجح في هذه المسألة، ونقلت فتاوى المجامع العلمية المعتمدة في بلاد الإسلام مقرونة بفتاوى العلماء قديمًا وحديثًا بمنهجية علمية، وقدمتها بأسلوب سهل التناول قريب المأخذ، وقدمتها مختصرة ومحصورة في موضوعها إلا ما دعت الضرورة لذكره مما له علاقة مباشرة بموضوع البحث ولا تنفك عنه البتة، فجاءت تلك الدراسة مختصر محققة للغاية، ليتفق مضمونها مع مسماها.
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
فتعود أسباب اختيار موضوع البحث لأسباب كثيرة ولعل من أبزها ما يلي:
١ - انتصارًا للقرآن ولرسمه الذي كُتِب به وألفوه أول مرة
٢ - سدًا لباب الفتنة الداعية إلى تغيير الرسم العثماني بالرسم الإملائي
٣ - التحذير من الجرأة على كتاب الله وإبطال أي محاولة تقدم على تغيير الرسم العثماني بأي صورة وتحت أي حجة وبأي مسمى
٤ - تفنيد حجج الذين عمدوا إلى كتابة المصحف بالرسم الإملائي أو طالبوا به مدعين تسهيل تعلمه على المبتدئين
٥ - فضح الذين عمدوا إلى كتابة المصحف بغير العربية، من التجار وغيرهم، بحجة تسهيل قراءته على غير أهل اللسان العربي
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
تكمن مشكلة البحث في رفع الخلاف الحاصل بين الأقوال في الرَّسْمِ العُثْمَانِي بين التَوْقِيِفِ والاصْطِلَاحِ، والحجج التي استند إليها أهل تلك الأقوال، وقد عالج الباحث تلك القضية بوضوح وجلاء تام، فعرض الأقوال الثلاثة الواردة في هذا الصدد، ثم بين حجة كل فريق منها، ثم رد على كل فريق بالحجة والبيان وواضح البرهان، ثم رجَّح القول الأول منها القاضي بأَنَّ الرَّسْمَ العُثْمَانِي تَوْقِيِفِي لَا اصْطِلَاحِي.
خامسًا: منهج البحث
المنهج التحليلي:
لقد استخدم الباحث المنهج التحليلي والذي يُعَدُ أحد مناهج البحث العلمي
78 / 11
الفرعية، ولقد تناول موضوع بحثه بتحليله، فقام بتعريف الرسم العثماني بقسميه التوقيفي والاصطلاحي، ثم عرض آراء العلماء في الرسم العثماني، ثم بين حجج أصحاب كل رأي منها، ثم ردَّ وأجاب بالحجة والبرهان على تلك الآراء، ثم ذكر القول الراجح منها، ثم ختم البحث معضدًا ما ذهب إليه من ترجيح القول بتوقيف الرسم العثماني بقرارات وفتاوى أكبر المجامع العلمية في بلاد الإسلام.
الفصل الأول
الرسم العثماني بين التوقيف والاصطلاح
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الرسم العثماني توقيفي أم اصطلاحي؟ (^٢)
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المقصود بعبارة الرسم العثماني "توقيفي"
هو أنَّ الرسم العثماني كُتِبَ على سند قائم من الشرع، فلا يجوز مخالفته وتخطيه إلى غيره، فهو توقيفي: فلا يجوز ولا يصح عليه تغيير ولا تبديل، لأنه تنزيل من التنزل على هيئته المعهودة والمكتوبة في المصاحف كسائر سور القرآن وآياته المنزلة، سواء بسواء.
وقد مضى في عهوده الثلاثة وهو على هذه الكَتْبَة بهذا الرسم المصحفي ولم يحدُث فيه أي تغيير ولا أي تبديل. وقد أجمعت الأمة عليه وتلقته بالقبول.
والنبي ﷺ كان يأمر كُتَّاب الوحي بطريقة الرسم المصحفي للقرآن، وكانت كتابته بين يديه، ثم كان الجمع في عهد الصديق ﵁ على هذا الرسم كذلك، ثم جَمَعَ عثمانُ ﵁ عنه الأمةَ على الإمام واستنسَخ منه تلك الصحفَ التي بعث بها في الأمصار على نفس تلك الكَتْبة، وأقره جماهير الصحابة ﵃ على ذلك، وهم يومئذ أكثر من (اثني عشر ألف صحابي)، ثم صار أمر الرسم كذلك في زمن التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالِفه أحدٌ منهم ولم يُنقل أن أحدًا منهم أقدم على استبداله وتغييره أبدًا، بل ولم يُذكر أن أحدَا منهم فكر حتى في استبداله بأي برسم آخر من الرسوم بل بقي هذا الرسم محترمًا متبعًا كما كان عليه عمل الكَتْبة الأولى، فلا يقرب منه أحد بتغيير أو تبديل، ولا يُمَسُّ له جناب.
ومن هنا يتبين لنا أن الرسم الهجائي للقرآن كان معروفًا في عهود جمعه الثلاثة، كما أنه كان مضبوطًا منذ بداية تنزله وتدوينه علي عهد النبوة، وكان كتاب الوحي متمكنين من قواعده وأصوله، لأنه كتبوه بأمر النبي ﷺ وتوجيهه وإقراره.
ولنا أن تتأمل فيما أخرجه ابن أشته في "المصاحف"، عن زيد بن ثابت: أنه كان يكره أن تكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليس لها سين.
وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب: أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب (بسم الله) ولم يكتب لها
_________
(^٢) لعلّ اختلاف هذه المسميات من باب اختلاف العبارات لا اختلاف الاعتبارات.
78 / 12
سينا، فضربه عمر؛ فقيل له؛ فيم ضربك أمير المؤمنين؟ قال: ضربني في سين.
وأخرج عن ابن سيرين أنه كان يكره أن تمد الباء إلى الميم حتى تكتب السين.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف، عن ابن سيرين: أنه كره أن يكتب المصحف مشقا. قيل: لم؟ قال: لأن فيه نقصًا. ومعنى المشق: سرعة الكتابة. (^٣)
قال أبوشامة المقدسي (ت: ٦٦٥ هـ) ﵀: وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي رسول الله ﷺ لا من مجرد الحفظ. (^٤)
وقول أبي شامة يجلي المعنى المقصود بعبارة توقيفي، ألا وهو قوله: "عين ما كتب بين يدي رسول الله ﷺ ".
المطلب الثاني: المقصود بعبارة الرسم العثماني " اصطلاحي "
هو أنَّ أمر رسم المصحف أمر اجتهادي، أي أنَّ الشرع تركه للاجتهاد، فلم يأمر به، ولم يلزم اتباعه ويوصي به.
المطلب الثالث: اختلاف العلماء في طريقة رسم المصحف: هل هو توقيفي أم اصطلاحي؟
لقد اختلف العلماء في طريقة رسم المصحف: هل هو توقيفي أم اصطلاحي؟
فمن العلماء، من يرى:
أن الرسم العثماني توقيفي عن رسول ﷺ حيث أمر ﷺ كُتَّابَ الوحي بكتابته وأقرهم عليه.
ومنهم من يرى: أنه اصطلاحي، ولا يوجد ما يمنع من مخالفته وكتابته بالرسم الإملائي الحادث.
المبحث الثاني: آراء العلماء في الرسم العثماني
وفيه مطالب:
وللعلماء في مسألة الرسم المصحفي ثلاثة آراء نوجزها فيما يلي:
المطلب الأول: الرأي الأول: أن الرسم المصحفي توقيفي
ويرى أصحابه أن الرسم العثماني توقيفي. أي: توقيفي عن رسول الله- ﷺ لا تجوز مخالفته، كما أن الترتيب المصحفي للسور والآيات في مواضعها توقيفي يحرم مخالفته- كذلك-.
وهذا الرأي: قد حُكِيَ فيه الإجماعُ، وعليه أكثر العلماء سلفًا وخلفًا.
المطلب الثاني: حجج أصحاب الرأي الأول
ومن أبرز حجج وبراهين أصحاب هذا الرأي ما يلي:
١ - أن الرسم المصحفي في الجمع الأول في عهد النبي ﷺ كان موثق بطريقي الحفظ والكتابة، فكان التوثيق والمراجعة للمحفوظ والمكتوب على حد سواء.
والمكتوب في هذا العهد كان على الرسم المصحفي الذي هو عليه الآن.
_________
(^٣) يُنظر: الاتقان للسيوطي، النوع السادس والسبعون، في مرسوم الخط وداب كتابته (٢/ ٦٥٦). الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: ٩١١ هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة، ١٤٠٥ هـ-١٩٨٥ م.
(^٤) يُنظر: فضائل القرآن للمستغفري: (ص: ١٠). فضائل القرآن المؤلف: أَبُو العَبَّاسِ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنُ المُعْتَزِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَغْفِرِ بنِ الفَتْحِ بنِ إِدْرِيْسَ المُسْتَغْفِرِيُّ، النَّسَفِيُّ (المتوفى: ٤٣٢ هـ) المحقق: أحمد بن فارس السلوم الناشر: دار ابن حزم الطبعة: الأولى، ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٢.
78 / 13
٢ - ومما لا مرية فيه أن القرآن الكريم سطره كُتَّاب الوحي بين يدي النبي ﷺ، بهذا الرسم المصحفي وقد أقرهم ﷺ علي كتابته، وإقراره ﷺ، حجة في حد ذاته، فلو وجد- ﷺ خطأ فيما كتبوه لما أقرهم عليه.
٣ - الرسم المصحفي ليس لأحد كائنًا من كان تغييره ولا تبديله، لأن الآمر بكتابته هو النبي- ﷺ نفسه، وهو المبلغ عن ربه جل في علاه، وقد أمره الله تعالى بتبليغه لأمته، فأمر كُتَّاب الوحي أن يكتبوه في الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ، واللخاف، والأضلاع، والأقتاب، والأَلواحِ، وقطع الأديم، والكرانيف على الهيئة المعروفة التي نزل بها، وهي الطريقة التي أوحاها الله إليه بواسطة الأمين جبريل ﵇، وقد مضى عهده ﷺ والقرآن على هذه الكتبة، لم يحدث فيه أي تغيير ولا تبديل.
٤ - إن استمرار خليفتي النبي ﷺ من بعده على العمل بنفس الرسم المصحفي الذي عليه الجمع الأول يدل على أن الرسم المصحفي توقيفي ليس لأحد تغيره ولا تبديله.
٥ - يُعد تلقي أهل الأمصار المصاحفَ العثمانية بالرضا والقبول وعدم اعتراض أحد منهم على فعل عثمان ﵁، وفيهم جماهير مجمهرة من الصحابة، قيل إنهم يومئذ اثني عشر ألف صحابي، والتابعون كذلك منتشرون في الأمصار بأعداد يصعب حصرها لكثرتهم وانتشارهم، فكان رضاهم واستحسانهم لفعل عثمان وتأييده ومناصرته له، والثناء على ما فعل إجماعًا منهم جميعًا على صحة المصاحف العثمانية وسلامتها وعدم جواز مخالفتها، وعليه صار عمل الأئمة المجتهدين من بعدهم على ذلك في كل عصر ومصر.
وفي نحو ذلك يقول أبو بكر اللبيب- (ت: قبل ٧٣٦) ﵀: في " الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة ": فما فعله صحابي واحد فلنا الأخذ به والاقتداء بفعله والإتباع لأمره فكيف وقد اجتمع على كتاب المصاحف حين كتبوه نحو اثني عشر ألفًا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين؟!. (٥)
ويقول الشيخ عبد الفتاح القاضي (ت: ١٤٠٣ هـ) ﵀: " … وبناء على هذا يجب على كاتب المصحف وطابعه وناشره أن يتحرى كل منهم كتابته على قواعد الرسم العثماني، ولا يخل بشيء منها، ولا يغير فيها شيئًا ما، بزيادة أو نقص، أو إثبات أو حذف، حفظًا لهذا العمل الخالد، واقتداء بالصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وأعلام الإسلام في سائر الأعصار والأمصار، لا فرق في ذلك بين المصاحف الكاملة، والمصاحف الصغيرة "الأجزاء" التي يتعلم فيها الصغار ومن في حكمهم من الكبار، ليتعرفوا على قواعد الرسم منذ طفولتهم، ونعومة أظفارهم، وعلى
_________
٥ - الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة، لأبي بكر بن عبدالله اللبيب: (ص: ٣٠)، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر- الطبعة الأولى ١٤٣٢ هـ، تحقيق: عبد العلي أيت زعبول، عدد الأجزاء: ١
78 / 14
معلمي القرآن -حيث كانوا- ألا يدخروا وسعًا في تعليم أبنائهم تلك القواعد من الصغر، حتى يشبوا وقد وقفوا عليها، وأحاطوا بها خبرًا، وأصبحت القراءة في المصحف ميسورة عليهم وسجية لهم" (^٦)
المطلب الثالث: أبرز ما استدل به أصحاب الرأي الأول
وإن من أبرز ما استدل به أصحاب الرأي الأول ما يلي:
أ- الإجماع الذي حكاه القاضي عياض (ت: ٥٤٤ هـ) ﵀ في "الشفا" حيث يقول:
وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد ﷺ، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفًا قاصدًا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدًا لكل هذا -أنه كافر- عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: ٤١ - ٤٢). (^٧)
ب- اتفاق العلماء الذي حكاه ابن حزم (ت: ٤٥٦ هـ) ﵀ في "مراتب الإجماع" على: أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفًا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفًا، أو بدل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمدًا لكل ذلك عالمًا بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر. (^٨)
ج- وما أجاب به الإمام مالك (ت: ١٧٩ هـ) - وقد سئل- ﵀: "هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال" لا إلا على الكتبة الأولى". (^٩)
د- وما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل (ت: ٢٤١ هـ) ﵀ بقوله: "تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو، أو ياء أو ألف أو غير ذلك. (^١٠)
هـ- وما رواه أبو عمرو الداني بإسناده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: أدركت الناس حين شقق عثمانُ ﵁ المصاحفَ فأعجبهم ذلك أو قال "لم يَعِب ذلك أحد. (^١١)
و- ما روي عن أنس بن مالك- (ت: ٩٣ هـ) ﵁: أن عثمان أرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفًا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف الذي أُرسل إليهم. (^١٢)
_________
(^٦) تاريخ المصحف الشريف للقاضي: (ص ١٠٤ - ١٠٥). تاريخ المصحف الشريف للعلامة الشيخ / عبدالفتاح القاضي، المقرر على الصف الثالث بمرحلة التخصص بمعاهد القراءات بالأزهر، طبع على نفقة قطاع المعاهد الأزهرية، تحقيق: صفوت جودة أحمد، الناشر: مكتبة القاهرة. الطبعة السادسة: ١٤٣٨ هـ-٢٠١٧ م، عدد المجلدات: ١.
(^٧) الشفا، للقاضي عياض: (٢/ ٣٠٤). الشفا بتعريف حقوق المصطفى المؤلف: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: ٥٤٤ هـ) الناشر: دار الفيحاء - عمان الطبعة: الثانية - ١٤٠٧ هـ عدد الأجزاء: ٢.
(^٨) مراتب الإجماع: (ص: ٢٧٠).
(^٩) المقنع، لأبي عمرو الداني: (ص: ٩). المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار، لـ" أبي عمرو الداني" وهو: أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي الداني الأندلسي، المعروف في زمانه بابن الصيرفي (ت: ٤٤٤ هـ). تحقيق: د. عزة حسن. الصف التصويري: دار الفكر - دمشق. التنفيذ الطباعي: المطبعة العلمية.
(^١٠) يُنظر: البرهان للزركشي: (١/ ٣٧٩). البرهان في علوم القرآن- لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت: ٧٩٤) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - الطبعة الأولى- دار إحياء الكتب العربية، مصر ١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م.، الإتقان للسيوطي: (٤/ ١٤٦).
(^١١) المقنع، لأبي عمرو الداني: (ص: ٨)
(^١٢) مناهل العرفان، للزرقاني: (/ ٣٧١). مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبد العظيم الزُّرْقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثالثة، عدد الأجزاء: ٢.
78 / 15
ز- إجماع الأمة المعصومة من الخطأ بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين على تلقِّي ما نُقِل في المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى الأمصار بالقبول، وعلى ترك ما سوى ذلك. (^١٣)
ح- وهو كذلك اختيار جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الفقهية الأربعة. (^١٤)
ط - وقد حكاه أيضًا جمع من العلماء
وقد حكى هذا الإجماع- كذلك- غير واحد من العلماء، منهم:
١ - الجعبري: (ت: ٧٣٢ هـ) وهو: أبو محمد إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري، وقد نقل الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع مرسوم المصحف العثماني. (^١٥)
٢ - والطحاوي: (ت: ٢٣٨ هـ) وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزديّ الطحاوي، يقول في شرح الطحاوية: "ينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن ينظم الكلمات كما هي في مصحف عثمان ﵁، لإجماع الأمة على ذلك. (^١٦)
٣ - وأبو عمرو الداني: (ت: ٤٤٤ هـ)، وهو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني الأموي مولاهم، القرطبي، في: " المقنع في رسم مصاحف الأمصار"، (^١٧)
٤ - والزمخشري: (ت: ٥٣٨ هـ) - المعتزلي- في: "الكشاف"، والزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري.
حيث يقول في تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾ (الفرقان: ٧):
"وقعت اللام في المصحف مفصولة عن "هذا" خارجة عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنة لا تغير".
وفي شعب الإيمان للبيهقي (^١٨): "من كتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئًا، فإنهم أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم". (^١٩)
٥ - والدمياطي، المعروف بـ"ابن البنا": (ت: ١١١٨ هـ)، وهو: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي، في "إتحاف فضلاء البشر". (^٢٠)
وقد مرت العصور المتتالية على المسلمين وهم يكتبون مصاحفهم وفق المصاحف العثمانية لا يخالفونها ولا يحيدون عنها، ولم يؤدِّ ذلك إلى أي تحريف أو تغيير أو تبديل في القرآن لا مكتوبًا ولا منطوقًا.
وقد مر معنا ذكر إجماع سلف وخلف الأمة، وإجماع علمائها وفقهائها على
_________
(^١٣) الكواكب الدرية على متممة الأجرومية: (ص: ٣٤). الكواكب الدرية على متممة الأجرومية للحطاب الرعيني، تحقيق: محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل; الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية; الطبعة: الأولى، ١٤١٠ هـ/ ١٩٩٠ م.
(^١٤) يُنظر قول الحنفية في: مناهل العرفان، للزرقاني: (١/ ٣٧٩).، نقلًا عن: المحيط البرهاني.
ويُنظر قول المالكية في: المقنع: (ص: ٩ - ١٠ - ٢٨)، القسطلاني: (١/ ٢٧٩)، الشفا، للقاضي عياض: (٢/ ٣٠٥).
ويُنظر قول الشافعية في: حاشية الجمل على شرح المنهج، للشيخ سليمان الجمل: (٣/ ٤٤)، ويُنظر قول الحنابلة في: البرهان في علوم القرآن (١/ ٣٧٩)، والسيوطي الإتقان (٤/ ١٤٦).
(^١٥) يُنظر: سمير الطالبين، للضباع: (ص: ١٩ - ٢٠). سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين المؤلف: نور الدين علي بن محمد بن حسن بن إبراهيم بن عبد الله المصري الملقب بالضباع (المتوفى: ١٣٨٠ هـ)، نسخة المكتبة الشاملة.
(^١٦) يُنظر: المرجع السابق نفسه.
(^١٧) المُقنع لأبي عمرو الداني: ص: (١٠ - ١٩)، الإتقان، للسيوطي: (٤/ ١٤٦).
(^١٨) شعب الإيمان: فصل في تنوير موضع القرآن ج ٢ ص ٥٤٨ تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول ط. دار الكتب العلمية.
(^١٩) يُنظر: الكشاف للزمخشري: (٣/ ٨٢). تفسير الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: ٥٣٨ هـ) الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الثالثة - ١٤٠٧ هـ، عدد الأجزاء: ٤.
(^٢٠) إتحاف فضلاء البشر: (١/ ٣١٩)، إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، المسمى: منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات، لشهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي، حققه وقدم له: شعبان محمد إسماعيل، الطبعة الأولى: ١٤٠٧ هـ- ١٩٨٧ م. عالم الكتب - مكتبة الكليات الأزهرية، عدد المجلدات ٢.
78 / 16
ما تضمنته هذه المصاحف وعلى ترك كل ما خالفها.
ولذا فقد نص الأئمة على أن من شروط صحة القراءة وقبولها موافقة الرسم العثماني ولو احتمالًا، والمقصود بموافقة القراءة للرسم العثماني أن تكون القراءة موافقة للمصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة وتلقته الأمة بالقبول، وهذا الشرط يجعل المصاحف العثمانية هي الأساس في القراءات القرآنية، ولذا فأي قراءة تخالف رسم المصحف الإمام تعد من القراءات الشاذة.
المطلب الرابع: الرأي الثاني: أن الرسم المصحفي ليس توقيفيًا
والمراد بقولهم من أّنَّ الرسم المصحفي ليس توقيفيًا: أي: لا يوجد دليل صريح يمنع من رسمه وكتابته بالرسم الإملائي الحادث، فمن ادعى وجوب اتباع هذا الرسم وجب عليه إقامة البرهان والحجة والبيان على صدق دعواه.!!
وقد مال لهذا الرأي بعض المتقدمين، وتبعهم عليه بعض المعاصرين، منتصرين فيه لآراء بعض من سبق، ومتأثرين به. (^٢١)
أبرز القائلين بقول أهل الرأي الثاني من المتقدمين:
١ - القاضي الباقلاني (ت: ٤٣٠ هـ) في" الانتصار"
٢ - ومال إليه واختاره الزركشي (ت: ٧٩٤ هـ) في " البرهان" (^٢٢)، وهو أحد قوليه، كما سيأتي معنا بيانه.
٣ - وابن خلدون (ت: ٨٠٨ هـ) في " تاريخه"
أبرز القائلين بقول أهل الرأي الثاني من المتأخرين والمعاصرين-
وقد تبع أهل هذا الرأي جمع من المتأخرين والمعاصرين- كذلك- وكان من أبرز - كل من:
١ - الشوكاني (ت: ١٢٥٠ هـ) في: " فتح القدير " (^٢٣)
٢ - والشيخ محمد مصطفى المراغي: (ت: ١٣٦٤ هـ) في "مقدمة تفسيره"
٣ - ومحمد طاهر الكردي (ت: ١٤٠٠ هـ)، في " تاريخ القرآن".
٤ - والدكتور صبحي الصالح (ت: ١٤٠٦ هـ) في" مباحث في علوم القرآن " (^٢٤)
٥ - والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي (م) في: " رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات".
المطلب الخامس: أقوال أصحاب الرأي الثاني
ونسوق بعضًا من أقوالهم بشيء من الإيجاز:
أولًا: القاضي الباقلاني:
يقول الباقلاني في "الانتصار للقرآن": ولم يؤخذ على كتبة القرآن وحُفَّاظِ المصاحف رَسْمًا بعينه دون غيره … بل السُّنَة دَلَّتْ على جواز كَتْبِهِ بأي رسم سَهُلَ وسَنَحَ للكاتب، لأن رسول الله ﷺ كان يأمر برسمه وإثباته على ما
_________
(^٢١) ينظر: فتاوى محمد رشيد رضا (٦/ ٢٥٤١، ٢٥٤٢)، ودراسة حول القرآن الكريم لمحمد حسين الجلالي ص ١٦٧، ومدخل إلى تفسير القرآن وعلومه د. عدنان زرزور ص ١٣٢.
(^٢٢) ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي: (٢/ ١٤).
(^٢٣) ينظر: فتح القدير للشوكاني: (١/ ٢٩٥).
(^٢٤) مباحث في علوم القرآن د. صبحي الصالح: (ص: ٢٨٠). مباحث في علوم القرآن المؤلف: صبحي الصالح الناشر: دار العلم للملايين الطبعة: الطبعة الرابعة والعشرون كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٠ عدد الأجزاء: ١.
78 / 17
بيناه سالفًا، ولا يأخذ أحدًا بخط محدود ورسم محصور، ولا يسألهم عن ذلك، ولا يُحفظ فيه حرف واحدٌ. (^٢٥)
ثانيًا: ابن خلدون
يقول ابن خلدون في " تاريخه" في فصل "أن الخط والكتابة من عداد الصنائع البشرية: "وكانت كتابة العرب بدوية، فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة والتوحش وبُعدهم عن الصنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيه تبركًا (^٢٦) بما رسمه أصحاب رسول الله ﷺ وخير الخلق من بعده، المتلقون لوحيه من كتاب الله، كما يقتفي لهذا العهد خط ولي أو عالم تبركًا ويتبع رسمه خطأً أو صوابًا". (^٢٧)
ثالثًا: الشيخ محمد مصطفى المراغي:
حيث يقول في "مقدمة تفسيره": وقد جرينا على الرأي الذي أوجبه العز بن عبدالسلام في كتابة الآيات في أثناء التفسير لعلة التي ذكرها وهي في عصرنا أشد حاجة إليها من تلك العصور. (^٢٨)
رابعًا: محمد طاهر الكردي يقول الكردي: لو كان الرسم توقيفيًا لما اختلف الرسم في المصاحف التي أرسلها عثمان- ﵁ إلى الأمصار. (^٢٩)
ويُرد على الكردي بأن الخلاف لم يكن في المرسوم وإنما كان في اختلاف الأداء لأوجه القراءة كما هو معلوم.
خامسًا: الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي (^٣٠): يقول الدكتور شلبي: إن كل دعوة لإضافة أيّ جديد للرسم العثماني كانت تتلقى بالتحرّج أولًا، ولكنها - على الرغم من ذلك - أخذت طريقها إلى الرسم؛ إيمانًا من القائمين بها بأنّ فيها بيانًا وتوضيحًا … لقد كان المصحف خاليًا من النقط، ولما اتجه بعضهم إلى نقطه رأينا من يقف دون ذلك ويقول: جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء، ثم كان أن ترخص العلماء فيه، وقالوا: العجم نور الكتاب، وأنه لا بأس به ما لم تبغوا.
وبدأ أبو الأسود الدؤلي بالنقط في الحركات والتنوين لا غير، وجعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام، وقَفَا الناس في ذلك أثرهما، واتبعوا فيه سنتهما. (^٣١)
ودليل هؤلاء أن هذه الخطوط والرسوم ليست إلا علاماتٍ وأَمارات، فكل رسم يدل على الكلمة ويفيد قراءتها، فهو رسم صحيح، وكاتبه مُصيب. (^٣٢)
_________
(^٢٥) الانتصار للقرآن: (٢/ ٥٤٧ - ٥٤٨). الانتصار للقرآن المؤلف: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي (المتوفى: ٤٠٣ هـ) تحقيق: د. محمد عصام القضاة الناشر: دار الفتح - عَمَّان، دار ابن حزم - بيروت الطبعة: الأولى ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م عدد الأجزاء: ٢.
(^٢٦) هذا القول من" ابن خلدون" فيه نوع تجاوز في التبرك بخطوط الصحابة، فآثار عموم المخلوقين لا يُتبرك بها ولو كانوا صحابة، فلا يجوز اتخاذ مخلوقًا أو أثرًا من آثاره للتبرك به، بل هذا من المنكرات العظيمة ومن الوسائل المؤدية للشرك الأكبر، إلا آثار خير الخلق-ﷺ كالتبرك بماء وضوئه، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره، وما مس جسده الشريف، كما هو معلوم-، فالتبرك بالآثار وسيلة للشرك ولعبادة غير الله كما حدث لقوم نوح ﵇. فإن البركة تطلب من الله تعالى وحده، وهو سبحانه الذي يملكها، ولا يملكها سواه- سبحانه- فلا يصح ولا يجوز طلبها أو التماسها من غيره- جل في علاه-. الباحث.
(^٢٧) مقدمة ابن خلدون: (ص: ٢٤٨). ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفى: ٨٠٨ هـ) المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م عدد الأجزاء: ١.
(^٢٨) يُنظر: مقدمة تفسير المراغي: (١/ ١٥). تفسير المراغي المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: ١٣٧١ هـ) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، ١٣٦٥ هـ - ١٩٤٦ م عدد الأجزاء: ٣٠.
(^٢٩) "تاريخ القرآن" لمحمد طاهر الكردي: (ص: ١٠١). تاريخ القرآن الكريم المؤلف: محمد طاهر بن عبد القادر الكردي المكي الشافعي الخطاط (المتوفى: ١٤٠٠ هـ) ملتزم طبعه ونشره: مصطفى محمد يغمور بمكة طبع للمرة الأولى: بمطبعة الفتح بجدة - الحجاز عام ١٣٦٥ هـ - ١٩٤٦ م.
(^٣٠) عبد الفتاح شلبي، من أعلام المحققين والمصححين المعاصرين
نشأته: ولد الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي في العام ١٩٢٥ م في كفر البطيخ بمحافظة دمياط، بمصر، عمل تاجرًا للحبوب والغلال، اشتغل بعلوم اللغة وعلوم القرآن حتى بزغ نجمه، واشتهر بتحقيق كتب اللغة والتراث، وبخاصة كتب القراءات القرآنية، وله كثير من الكتب المحققة الصادرة عن دار الكتب والوثائق المصرية. عن موقع مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية.
(^٣١) رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات: (ص: ١٢١). رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات، تأليف: عبد الفتاح إسماعيل شلبي، الناشر: مكتبة نهضة مصر، سنة الطبع: ١٣٨٠ هـ ١٩٦٠ م.
(^٣٢) يُنظر: مناهل العرفان للزرقاني: (ص: ٣١٢).
78 / 18
ومما يُستدل ويُنتصر به لهذا الرأي أيضًا ما أورده أبو عمرو الداني وعزاه بإسناده إلى عامر الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ فقالوا "من أهل الحيرة، وقالوا لأهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من الأنبار. (^٣٣)
وما رواه" الداني" يؤكد: أن دعوى "ابن خلدون": من قلة الكتابة وندرتها وعدم إجادتها واستحكامها في جيل الصحابة أمر غير مسلم البته، وذلك لأن عدد كتاب الوحي بلغ قربة أربعين كاتبًا، والكتابة قبل الإسلام كان لها رواج في مكة، ومكة تعد يومئذ مركزًا للتجارة يتلقى أهلُها التجارةَ الوافدة من الشام واليمن وغيرها من البلدان، والمدينة- كذلك - كثر الوفود إليها بعد ظهور الإسلام، وزادت حركة الوافدين إليها للتجارة وغيرها مما يلزم من شؤون السياسة والاقتصاد التي تحتاجها الدولة المسلمة، مما زاد من احتكاك أهلها بهم، فشاع فيم أمر الكتابة وذاع.
ومع ذلك كله فلا علاقة بين إحكام الخط وإتقانه وبين الإقرار بتوقيفيته.
ومع ذلك كله فإن قول ابن خلدون: حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة"، وفي هذا كفاية لرد زعم ابن خلدون
ومن أبرز ما قيل في أن الرسم المصحفي ليس توقيفيًا:
أن وجوب التزام رسم معين إنما يعرف بالنص، وليس في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في القياسات الشرعية ما يحتم التزام الرسم العثماني، بل ظهر من أدلة السنة جواز كتابته بأي وجه سهل، لأن رسول الله ﷺ كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجهًا معينًا، ولا نهى أحدًا عن كتابته بأي وجه، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، ومن ادعى أنه يجب على الأمة التزام رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه، وأنى له ذلك. (^٣٤)
المطلب السادس: جواب أهل الرأي الثاني
وجواب أهل هذا الرأي قد سبق بيانه وذكره بالتفصيل مقرونًا بالحجج والبراهين والأدلة النقلية والعقلية، ثم ختم بإجماع جمهور الفقهاء، ثم بنقل أقوال من حكى الإجماع كذلك، إضافة لما سيأتي بيانه من فتاوى المعاصرين (المجامع الفقهية) وهو يشبه الإجماع في وقتنا الحاضر.
ومن أبرز ما يجاب عنه في جواب أهل الرأي الثاني إضافة لما سبق بيانه- كذلك-، جواب عبد العزيز الدباغ، حيث يقول: هو صادر من النبي ﷺ، وهو الذي أمر الكتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة، فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي ﷺ.
ثم يتابع ويقول- أيضًا-: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم
_________
(^٣٣) المقنع لأبي عمرو الداني: (ص: ٩).، المحكم في نقط المصاحف. لأبي عمرو الداني: (ص: ٢٥)، تحقيق: د. عزة حسن. الصف التصويري: دار الفكر - دمشق. التنفيذ الطباعي: المطبعة العلمية.
(^٣٤) الانتصار للباقلاني ١/ ٣٧٥، وينظر: مناهل العرفان للزرقاني ١/ ٣١٢.
78 / 19
القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي ﷺ، وهو الذي أراهم أن يكتبوا على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول .. فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرف بحرف) (^٣٥)
المطلب السابع: الرأي الثالث: إبقاء الرسم العثماني على ما هو عليه لينتفع به العلماء خاصة
وهذا القول ينادي أصحابه بإبقاء الرسم العثماني على ما هو عليه لينتفع به العلماء خاصة مع جواز كتابته بالرسم الإملائي لعموم الأمة حسب ما تقتضيه قواعد الرسم الإملائي المتعارف عليها بين الناس في أي زمان، وقد حكى هذا القول صاحب البرهان، وعزاه للعز بن عبد السلام (ت: ٦٦٠ هـ) - كذلك-، ونص عبارة العز بن عبد السلام كما حكاها صاحب التبيان بقوله: "لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال" (^٣٦)، وعقب الزركشي على العز بن عبد السلام بقوله: ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء قد أحكمته العلماء لا يترك مراعاة للجهال، ولن تخلو من قائم بحجة". (^٣٧)
والزركشي- ﵀ يكون بقوله ذاك-آنفًا- قاصدًا التوسط في الأمر،
بمعنى: أنه يريد الجمع بين الأمرين:
الأمر الأول: إبقاء الرسم العثماني الذي عليه الأمر الأول.
الأمر الثاني: جواز كتابته بالرسم الإملائي لينتفع به عموم الأمة.
وأهل هذا الرأي-عمومًا-: قصدهم بذلك حفظ القرآن الكريم من اللحن الذي قد يقع ممن يجهل الرسم العثماني ولا يحسن قراءته، وفي ذلك من درء المفاسد الكبرى التي يخشى وقوعها عند تلاوة القرآن ممن لا يحسن قراءة الرسم العثماني من عموم الأمة، وفي هذا إعمال للقاعدة الأصولية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المطلب الثامن: جواب أهل الرأي الثالث
وجواب أهل الرأي الثالث إضافة لجواب أهل الرأي الثاني باختصار شديد يأتي فيما يلي:
١ - إن الواقع المشاهد يرد هذا الرأي جملة وتفصيلًا، فإنك ترى الأعجمي الذي لا يحسن العربية يتقن قراءة القرآن ويحفظه بطلاقة أفضل من كثير من أهل اللسان العربي، وترى صغار الولدان في الكتاتيب والمحاضر ودور تعليم القرآن يقرأون ويحفظون القرآن مما كتبوه بأيديهم على الألواح بالرسم المصحفي بمهارة وإتقان يفوق أقرانهم بل ومن فوقهم ممن تلقوا التعليم في المدارس النظامية التقليدية، بل
_________
(^٣٥) ينظر: الإبريز: (ص: ١١٣)، وسمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين: (ص: ١٨).
(^٣٦) البرهان للزركشي: (١/ ٣٧٩).
(^٣٧) البرهان للزركشي: ١ (/ ٣٧٩)، فتح الباري، لابن حجر العسقلاني: (١/ ٢٧٩). فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت: ٨٥٢ هـ)، الناشر: دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عدد الأجزاء: ١٣.
78 / 20
وترى الأطفال الصغار يتعلمون الرسم المصحفي بطرق التهجي التعليمية في دور القرآن في وقتنا الحاضر، وهي كثيرة ومتنوعة لكنها ترجع إلى الرسم المصحفي (^٣٨)، وكذلك ترى كبار السن ومن تقدم بهم العمر وهم يتعلمون القرآن في مراحل متأخرة من أعمارهم يقرأون القرآن من المصاحف ويرتلونه بلا كلفة ولا مشقة.
٢ - وهل من أجل جهل الجاهل يغير رسم المصحف ويُرد من أجله إجماع الأمة سلفًا وخلفًا، أم أن الجاهل يُعَلَمُ ويتعلم؟!.
٣ - ولو سلَّمنا لهم جدلًا وتنزُّلًا إلى ما ذهبوا إليه، فإن التعلم في الأمة يضمحل ويذهب.
ولا يخفى على أحد أن مرسوم القواعد الإملائية عرضة للتغيير من زمان لآخر، بل ومن مكان لآخر- كذلك-. فلو أخضع الرسم الهجائي للقرآن لتلك القواعد الإملائية لأصبح القرآن عرضة للتحريف والتغير والتبديل.
٤ - إن الرسم المصحفي لا يُوقع الناس في الحيرة والالتباس أبدًا؛ لأنه ثابت لا يتغير ولا يؤثر في تغيره زمان ولا مكان، والمصاحف التي بين أيدي الناس الآن مطبوعة وظاهرة وجلية للناظرين، وهي الآن أمام أعينهم على أوضح صورة، وقد كُتِبَتْ مشكلة ومنقوطة لا التباس فيها؛ وقد وضعت فيها علامات واضحة المعالم تدل على الحروف الزائدة، أو الملحقة بدلًا عن الحروف المحذوفة، فالوقوع في الاضطراب والالتباس والحيرة أمر غير واقع ولا متوقع البتة لمن تعلم القرآن، ويكفينا في ذلك قول ربنا: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: ١٧).
قال ابن كثير- (ت: ٧٧٤ هـ) ﵀: أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ. (^٣٩)
٥ - وبإجابة أهل هذا الرأي يُفتح على الأمة بابُ شر وفتنة لا يعلم قدرها إلا منزل الكتاب وهازم الأحزاب، وأكبر شاهد على ذلك تلك الفتنة التي كادت أن تحدث في صدر الإسلام في اختلاف أوجه القراءة، فأخمدها الله بثالث الخلفاء الحنفاء ﵃ أجمعين-، فقام لله ووقف موقف الجبال الراسيات ليرد الأمة لرشدها ويجمعها على كتاب ربها بـ" مصحف إمام".
٦ - وهذه الدعوات وأمثالها تفتح أمام أعين أعداء الملة بابًا يلجون منه لينالوا من القرآن طعنًا وتشكيكًا، فإذا كان هناك رسم وهجاء عثماني وآخر إملائي يتمايز أحدهما عن الآخر قالوا أيهما الصحيح الذي أُنْزِلَ من السماء؟!، ولا شك أن في هذا من المفاسد ما لا يخفى.
٧ - ومما يؤكد ما سبق ذكره من جواب أهل هذا الرأي ما حدث منذ سنوات من
_________
(^٣٨) وهي كثيرة ومتنوعة، ومن أمثالها: برامج: نور البيان، ورياض القرآن، وغيرها.
(^٣٩) تفسير ابن كثير: (٧/ ٤٧٨). تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط ٢، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، عدد الأجزاء: ٨.
78 / 21
كتابة القرآن لا أقول بالرسم الإملائي بل باللغة الإنجليزية بزعم تسهيل تلاوته على الناطقين بالإنجليزية من غير العرب، بحيث يتلوه بحروف اللغة الإنجليزية فيُقرا وكانه منطوق بالعربية.
هذا- ولقد ظهر في غينيا رجل مسلم له نشاط غريب في هذا الميدان، كان يقوم ولا يزال بكتابة القرآن بالحروف اللاتينية! بعد أن وجد هناك في إفريقية سوقًا رائجة لما يكتب، ويقوم اليوم في باريس ناشر مسلم بطبع كتبه تلك وعرضها في الأسواق في رداءة طبع، وإخراج فني ممجوج!
وفي السبعينات قام رجل في مصر يدعى " لبيب الجمال " يهفو ويدعو إلى كتابة القرآن بحروف غير عربية! وتسمع " هيأة التمويل الدولية " بالمشروع فتتحمس له ولصاحب الفكرة وترصد له مليون دولار! (^٤٠).
وقد ظهر مثل هذا في فرنسا وإندونيسيا وغيرها من البلاد.
ففي فرنسا: صدر الجزء الأخير من القرآن " جزء عم " بأكمله بالحروف الفرنسية! وهناك طبعات أخرى في المكتبات تتفاوت كما وكيفًا، وهناك من يفكر في إخراج المصحف كله بالفرنسية!
وفي إندونيسيا: - البلد المسلم - ظهرت فيه هو كذلك طبعة للقرآن الكريم كله بالحروف الإندونيسية! يتداولها الناس هناك في رضا! -وقد- رفع تقريرًا عنها مبعوث رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية- إليها- (^٤١).
فهل يُنتظر من أهل هذا الرأي أن يقع نحو من هذا؟!.
وقد عُرِض بهذا الصدد استفتاء على سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز- رحمه الله تعالى- عن كتابة القرآن بلغة غير اللغة العربية، فأحاله- سماحته- إلى هيئة كبار العلماء، وسيأتي معنا جواب اللجنة في عرض قرارات المجامع الفقهية حول الرسم العثماني في الفصل الثاني بإذن الله تعالى.
الفصل الثاني
أبرز قرارات وفتاوى المجامع الفقهية ومراكز الفتوى في العالم الإسلامي حول "الرسم العثماني"
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: قرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: القرار الأول لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول: (كتابة القرآن بلغة غير اللغة العربية)
لقد عُرِض على سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز- رحمه الله تعالى- استفتاء عن كتابة القرآن بلغة غير اللغة العربية، وأحاله- سماحته- إلى هيئة كبار العلماء،
وكان جواب اللجنة على النحو التالي: بعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول
_________
(^٤٠) مجلة «الاعتصام» القاهرية العدد ١٠٤ (١٣٩٦ هـ/ ١٩٧٦ م).
(^٤١) وللاستزادة يُنظر: تحريم كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربية، صالح علي العود، تقديم محمد بن عبد الوهاب أبياط الطبعة: الأولى، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، تاريخ النشر: ١٤١٦ هـ- عدد الأجزاء: ١
78 / 22
الرأي فيه، قرر المجلس بالإجماع: تحريم كتابة القرآن بالحروف اللاتينية، أو غيرها من حروف اللغات الأخرى،
وذلك للأسباب التالية:
١ - إن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين، حروفه ومعانيه، قال تعالى:
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥)، والمكتوب بالحروف اللاتينية لا يسمى قرآنًا؛ لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (الشورى: ٧)، وقوله: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: ١٠٣).
٢ - إن القرآن كتب حين نزوله، وفي جمع أبي بكر، وعثمان، ﵄ إياه بالحروف العربية، ووافق على ذلك سائر الصحابة ﵃ وأجمع عليه التابعون، ومن بعدهم إلى عصرنا، رغم وجود الأعاجم، وثبت عن النبي-ﷺ أنه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) (^٤٢).
فوجبت المحافظة على ذلك، عملًا بما كان في عهده ﷺ وخلفائه الراشدين ﵃ وعملًا بإجماع الأمة.
٣ - إن حروف اللغات من الأمور المصطلح عليها، فهي قابلة للتغيير مرات بحروف أخرى، فيخشى إذا فتح هذا الباب أن يفضي إلى التغيير كلما اختلف الاصطلاح، ويخشى أن تختلف القراءة تبعًا لذلك، ويحصل التخليط على مر الأيام، ويجد عدو الإسلام مدخلًا للطعن في القرآن للاختلاف والاضطرابات، كما حصل بالنسبة للكتب السابقة، فوجب أن يمنع ذلك محافظة على أصل الإسلام، وسدًا لذريعة الشر والفساد.
٤ - يخشى إذا رخص في ذلك أو أُقِرَ: أن يصير القرآن ألعوبة بأيدي الناس، فيقترح كلٌ أن يكتبه بلغته، وبما يجد من اللغات، ولا شك أن ذلك مثار اختلاف وضياع، فيجب أن يصان القرآن عن ذلك صيانة للإسلام وحفظًا لكتاب الله من العبث والاضطرابات.
٥ - إن كتابة القرآن بغير الحروف العربية يثبط المسلمين عن معرفة اللغة العربية، التي بواسطتها يعبدون ربهم، ويفهمون دينهم، ويتفقهون فيه، هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء (^٤٣).
يوضح الباحث ويقول: هذا: وإن كان الموضوع هو "كتابة القرآن بغير العربية" إلا إن أوجه التشابه متقاربة- لما نحن بصدد بحثه- إن لم تكن متطابقة من حيث الدواعي والبواعث الداعية إليه، ومن حيث عواقبه وما يُتوقع حدوثه وما يترتب على الإقدام على مثل هذا العمل.
_________
(^٤٢) أخرجه مطولًا أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٤)، وأحمد (١٧١٤٤) باختلاف يسير، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (٢٣٠٥) واللفظ له، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (٩/ ٥٨٢): "هذا الحديث صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (٢٥٤٩) يُنظر: شرح حديث العرباض بن سارية ﵁، رقم: (٧٠٧٨٥). وهذا الحديث وإن كان قد وقع فيه اختلاف في تصحيحه، غير إن الأمة تلقته بالقبول، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
(^٤٣) وقد وُجِهَ هذا السؤالُ لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية،، فتفضل بعرضه على هيئة كبار العلماء في دورتها الرابعة عشر المنعقدة بالطائف، في شوال (١٣٩٩ هـ).، يُنظر: كتاب: "تحريم كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربية"، تأليف: صالح علي العود، تقديم محمد بن عبد الوهاب أبياط: (١/ ٣٦). مرجع سابق.
78 / 23
المطلب الثاني: القرار الثاني لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول: (كتابة المصحف بطريقة الإملاء العادية)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
ففي الدورة الرابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في المدة من العاشر من شهر شوال إلى الحادي والعشرين فيه، نظر المجلس فيما رفعه حسين حمزة صالح مدرس العلوم الدينية بمدرسة الإمام أبي حنيفة الابتدائية بمكة .. إلى جلالة الملك يطلب فيه المعونة في كتابة المصحف بطريقة الإملاء العادية، والمحال إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم ٣/ ص/ ٢٢٠٣٥ في ٢٢/ ٩/ ١٣٩٨ هـ. واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في: "حكم كتابة القرآن بطريقة الإملاء العادية
وإن خالف ذلك الرسم العثماني".
وبعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول الرأي فيه تبين للمجلس أن هناك أسبابًا تقتضي بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني وهي:
١ - ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في عهد عثمان ﵁، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين ووافقه الصحابة وتابعهم التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا هذا.
وثبت أن النبي ﷺ قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) (^٤٤).
فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم هو المتعين، اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة، وعملا بإجماعهم.
٢ - إن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليًا بقصد تسهيل القراءة يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر .. وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن بتبديل بعض الحروف أو زيادتها أو نقصها فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ويجد أعداء الإسلام مجالا للطعن في القرآن الكريم، وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر ومنع أسباب الفتن.
٣ - ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية أو غيرها، وفي هذا ما فيه من الخطر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
_________
(^٤٤) صححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (٢٥٤٩) يُنظر: شرح حديث العرباض بن سارية- ﵁ رقم: (٧٠٧٨٥). وقد سبق تخريجه والحكم عليه في هامش رقم: (٤٢).
78 / 24
وبناء على هذه الأسباب اتخذ المجلس القرار التالي:
يرى مجلس هيئة كبار العلماء أن يبقى رسم المصحف على ما كان بالرسم العثماني، ولا ينبغي تغييره ليوافق قواعد الإملاء الحديثة؛ محافظة على كتاب الله من التحريف، واتباعا لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء (^٤٥).
المبحث الثاني: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة - وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بـ" المملكة العربية السعودية"
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: القرار الأول للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
" فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " المنعقد بمكة المكرمة، في ربيع آخر ١٤٠٤ هـ قد أطلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال من جدة الذي ذكر فيه موضوع " تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي "، وبعد مناقشة هذه الموضوع من قبل المجلس، واستعراض قرار " هيئة كبار العلماء " (المذكور آنفًا) بالرياض رقم (٧١)، وتاريخ ٢١/ ١٠/ ١٣٩٩ هـ، الصادر في هذا الشأن، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني، -ثم ذكر- مجلس المجمع الفقهي - نفس القرارات الثلاث الي أجمع عليها أعضاء هيئة كبار العلماء سالفة الذكر آنفا-.
ثم قرر- مجلس المجمع الفقهي فقال: وبعد اطلاع " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " على ذلك كله قرر بالإجماع تأييد ما جاء في قرار " مجلس هيئة كبار العلماء " في المملكة العربية السعودية من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه، ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير، أو تحريف في النص القرآني، واتباعًا لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين.
أما الحاجة إلى تعليم القرآن وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج: فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين، إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم، فهو يتولى تعليم الناشئين قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في قواعد الإملاء الدارجة، ولا سيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل، وتكرار ورودها في القرآن كثير ككلمة (الصلوة) و(السموات)، ونحوهما، فمتى تعلَّم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني: سهل
_________
(^٤٥) يُنظر: أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، المجلد السابع، الطبعة الأولى، ١٤٢٣ هـ/ ٢٠٠٢ م، ص ٣٣٨، قرار الهيئة رقم (١٧)، وتاريخ ٢١/ ١٠/ ١٣٩٩ هـ.
78 / 25
عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف، كما يجري مثل ذلك تمامًا في رسم كلمة (هذا) و(ذلك) في قواعد الإملاء الدارجة أيضًا.
رئيس مجلس المجمع الفقهي: سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
نائب الرئيس: د. عبد الله بن عمر نصيف (^٤٦).
المطلب الثاني: القرار الثاني المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
كما قرر مجمع الفقهي الإسلامي-كذلك- في دورته المنعقد في الفترة الثانية في شعبان ١٣٨٨ هـ.
القرار التالي: .... يقرر المؤتمر وجوب المحافظة على رسم مصحف عثمان- ﵁ في طبع القرآن الكريم في مصحف كامل، أو في طبع أجزاء منه ........
ونص هذا القرار مجتزأ من عدة قرارات أخر للمجمع.
المطلب الثالث: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء - بـ" المملكة العربية السعودية"
قال أعضاء اللجنة: قد أجمع المسلمون على وجوب كتابة المصحف بالرسم العثماني، وأنه لا تجوز مخالفته إلى غيره من أنواع الرسم؛ ولهذا اعتنى العلماء بقواعد الرسم وضوابطه في مباحث من كتب علوم القرآن مثل: الإتقان للسيوطي- ﵀ وفي كتب مفردة للرسم مثل: إيقاظ الأعلام بوجوب اتباع رسم مصحف الخليفة عثمان الإمام للشيخ محمد الخضر حسين المالكي رحمه الله تعالى. (^٤٧).
المبحث الثالث: قرارات وفتاوى المجامع العلمية بـ "مصر"
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر - بالقاهرة
ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر هو أحد المؤسسات العلمية الرسمية التابعة للجامع الأزهر، وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وقرارته يشرف عليها نخبة من صفوة علماء الأزهر.
ولا يخفى على أحد دور الأزهر في الدفاع عن القرآن خصوصًا، حتى أصبح غصة في حلوق أعداء الإسلام ولاسيما في رد الشبهات والترهات والمطاعن التي يدفع بها أعداء الملة محاولين زعزعت إيمان أهل الإسلام وتشكيكهم في أعز مقدساتهم- القرآن الكريم-.
وقد ناقش المجمع بحثًا بعنوان: "رسم المصاحف العثمانية" .... وبعد دراسته اتخذ المجمع عدة قرارات تتعلق بالقرآن الكريم، وكان في طليعتها ما يتعلق ببحثنا ألا وهو: "رسم المصاحف العثمانية"
ونصه ما يلي: يوصي المؤتمر بأن يعتمد المسلمون على الرسم العثماني للمصحف الشريف، حفظًا له من التحريف". (^٤٨).
_________
(^٤٦) مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد الرابع، السنة الثانية، ١٤١٠ هـ ١٩٨٩ م: (ص: ٤٨٥ - ٤٨٦).
(^٤٧) فتاوى اللجنة الدائمة: فتوى رقم: (١٦٧٠٩)، برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- ﵀. فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى المؤلف: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش عدد الأجزاء: ٢٦ جزءا الناشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الإدارة العامة للطبع - الرياض.
(^٤٨) وكان عنوان البحث: "رسم المصاحف العثمانية" وكان من البحوث التي تم بحثها ومناقشتها بحث بعنوان: "هل الرسم العثماني توقيفي أم اجتهادي؟ " وهو بحث مقدم من الدكتور/ محمد محمد أبو شهبة -عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر- فرع أسيوط، وكان ذلك ضمن أعمال المؤتمر السادس المنعقد في الفترة من الثلاثين من شهر محرم لعام: (١٣٩١ هـ): إلى الخامس من شهر صفر لعام: (١٣٩١ هـ).، والبحث مكون من ثمان فقرات، وهو منشور بتمامه تحت عنوان: "بحوث قرآنية": (ص: ١٤٧ - ١٧٢)، وذلك ضمن مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية. وللاستزادة: يُنظر: مجمع البحوث الإسلامية، تاريخه وتطوره ١٤٠٣ هـ ١٩٨٣ م: (ص: ٤٢٥ - ٤٢٦).
78 / 26