فقعدت على الطنفسة بجانبه مطرقة وقد صبغ الحياء وجهها فضلا عن احمرار عينيها من البكاء، ولذلك كانت تحجبهما بالإطراق. ولما جلست خاطبها الأسقف قائلا: «لقد سرني يا ولدي ما عقدتم النية عليه، وفي صباح الغد نأتي - إن شاء الله - لعقد الإكليل.»
فأجفلت دميانة لهذه المفاجأة ولم تكن تتوقع أن تسمع هذه العبارة فبالغت في الإطراق وبان فيها الحياء ولم تجب، فاستأنف الكلام قائلا: «إني تعودت هذا السكوت من العرائس فإنهم لا يجبن عن كلامنا إلا بالصمت. على أني لا أنتظر منك غير القبول ولو بالسكوت؛ فإن من كانت في مثل ما أنت عليه من التقوى وحسن التربية لا تمانع في أمر يريده أبوها ويتوسط فيه رئيس كنيستها ولكني أجل قدرك وأحب أن تكوني مسرورة بالنصيب الذي اخترناه لك ويكفي أن تظهري رضاك بالسكوت.»
وكانت دميانة تسمع كلامه وهي تكاد تتميز من الغيظ، وأرادت أن تستمهل الإكليل كما أشار عليها زكريا، فلم تجرؤ على الكلام حياء وخوفا، وحدثتها نفسها بأن ترفض بتاتا وتكاشف أباها بذلك صراحة، فغلب عليها الخوف والحياء؛ لأنه لم يكن يشجعها على أن تفضي إليه برأي أو رغبة، وشعرت بأن كلامها لا يفيد شيئا، فأمسكت وظلت ساكتة فاتخذ أبوها سكوتها دليلا على القبول، وظن أن مصير سعيد وقطعها الأمل منه جعلاها ترضى بإسطفانوس، فقال مخاطبا الأسقف: «لم أكن أشك في طاعة دميانة لأبيها ولحضرة الأسقف، ولكن بعض الناس كان يزين لها الباطل وهذه هي قد رجعت إلى الصواب، وكل ذلك بتدبير العناية.»
فقال الأسقف: «قد تفضل دميانة أن تقام الأفراح في بيت أبيها، وستقام لها هناك أيضا وإنما أردنا عقد الإكليل في الكنيسة الآن؛ لما لها من الكرامة وأحب أن أتولى عقد ذلك بنفسي ؛ تقديرا لمقام العريس وأرجو أن يكون عملنا مباركا.»
قال ذلك ووقف فوقف مرقس احتفاء به ووقفت دميانة فقال لها أبوها: «قبلي يد الأسقف واشكريه على عنايته.»
فقبلت يده فقبل رأسها وخرج وخرجت الرئيسة لوداعه مع مرقس ثم عادت وهي تضحك ضحك الفوز بما كانت تتمناه وضمت دميانة إلى صدرها وقالت: «ويظهر أن كلامي أثمر فيك.»
وكان مرقس قد عاد من وداع الأسقف فقال لدميانة: «بورك فيك يا بنية ذلك عهدي بك من أول الأمر، وسأذهب لتجهيز معدات الاحتفال وفي صباح الغد أعود إليك ونفرح معا.» قال ذلك وخرج.
فرار دميانة
أخذت دميانة تفكر فيما سمعته، وكانت تتوقع أن ترى زكريا لتقص عليه ما جرى، فلم تجده فقضت بقية يومها في انتظاره.
أما مرقس فسار توا إلى إسطفانوس وأخبره بقبول دميانة فقام في ذهنه أنها لم تقبله إلا بعد يأسها من سعيد فعزم على الانتقام منها لاستخفافها به، وهذا هين عليه بعد أن تصبح في عصمته وليس ما يثنيه عن إتيانه مروءة أو أريحية، فإن هذه السجايا لا معنى لها عنده. واشترك مع مرقس في إعداد معدات الفرح من الشموع والزهور وغيرها، وأرسلاها إلى الدير.
Unknown page