Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
أرسل الخديو من الإسكندرية قبل استقالة البارودي - أو إقالته على الأصح - علي فهمي بك رئيس الحرس إلى زميليه في القاهرة، كما يقول عرابي في مذكراته، ليقول لهما إن الخديو يرغب في عزل البارودي لما رأى من ذبذبته وسوء سياسته، وأن الخديو يعطف على مطالبهم «فهم ثلاثة وهو رابعهم»، وإن سموه يطلب ألا يعلم أحد بإيفاد علي بك إليهم ...
وترجع صلة الخديو بالضباط إلى ما قبل ذلك، فإنه كان يريد الاستناد إليهم ليحرج رياضا الذي كان يستند إلى الأجانب. وقد ذكر عرابي أمر هذه الصلة سنة 1904 بعد عودته من المنفى لبلنت في حوار بينهما؛ إذ سأله بلنت عن مبدأ صلة الخديو بهم، فقرر أنها بدأت قبل حادث قصر النيل. وقد ظن عرابي يومذاك أن علي فهمي يتجسس عليه، ولم يطمئن إلى إخلاصه إلا حين انضم إليه في الشكوى إلى رياض، وقد سأل بلنت الشيخ محمد عبده عن ذلك فأيده. قال الشيخ محمد عبده: «إن ما ذكره عرابي عن رسالة الخديو التي ذكر للضباط أنهم ثلاثة وهو رابعهم صحيح، وهو يصور أدق تصوير الحال بينه وبينهم يومئذ.»
ولا يخفى ما في مسلك الخديو من خطورة؛ فأقل ما يوصف به أنه جعل الضباط يشعرون أن الجو كله جو دسائس ومخاوف، وأنه لا يمكن بأية حال الاطمئنان إلى موقف الخديو تجاه أحد. •••
هذه هي الحال في الأشهر السبعة التي أعقبت حادث قصر النيل؛ دسائس ومخاوف تحيط برجال الجيش، وتوقع للانتقام في كل وقت ...
أما عن الوطنيين فقد أسلفنا القول إن صلتهم بعرابي لم تنقطع طول الصيف، وكان أكثرهم نشاطا في الاتصال به سلطان باشا، وكذلك كان يعمل شريف على توثيق أواصر المودة بينه وبينه، وأيقن الجميع وطنيين وعسكريين أن لا منجاة لمصر من سوء الحال إلا بإزاحة رياض عدو الدستور عن الحكم، وإجبار توفيق على أن يسلم بالحكم الدستوري الذي أظهر استعداده لقبوله عند توليته ثم ما لبث أن تنكر له ...
ولا سبيل لإزاحة رياض وإجبار توفيق إلا الاستعانة بالجيش أو بعبارة أخرى بزعماء الجيش، وما كان زعماء الجيش إلا نفرا من المصريين يحسون ما يحسه أبناء مصر جميعا من مبادئ العهد. يقول عرابي في مذكراته: «ولما كثرت دسائس الحكومة وبان ختلها وعزمها على اغتيالنا، أخذنا حذرنا منها، وسهرنا على إحباط تلك الدسائس المنكرة، وكان السير مالت قنصل إنجلترا بمصر كثير التردد على الخديو ليلا ونهارا دون غيره من وكلاء الدول الأوربية، فأوجسنا من ذلك خيفة على مصير بلادنا، وخشينا من مطامع إنجلترا التي كانت ترمي إلى التهام وادي النيل أسوة بما فعلته فرنسا بتونس؛ حتى يتم التوازن الذي تدعيه أوربا، فعرضنا مخاوفنا على جلالة أمير المؤمنين ليحيط علما بما كان جاريا في مصر، ولكيلا يتورط في تصديق ما قد يصل إليه من دسائس أعداء البلاد، وذيلنا العريضة المذكورة بإمضائي وإمضاءات إخواني علي بك فهمي وعبد العال بك حلمي وأحمد بك عبد الغفار بالنيابة عن الجيش، وأحمد بك أبو مصطفى، وأحمد بك الصباحي، وعثمان باشا فوزي، وغيرهم من وجهاء الأمة بالنيابة عن جميع المصريين.» •••
ونقل مؤلف كتاب المسألة المصرية عن كتاب بلنت العبارة الآتية
1 «ثم إن الأمة بأسرها، وبعبارة أدق إن طبقاتها المستنيرة الدستورية النزعة قد تبينت فجأة أنها ليست من الضعف بحيث ظنت نفسها، وأن لها في الجيش قوة كبيرة متجمعة لا يستهان بها، فإذا ما استطاعت أن تضمه إلى جانبها في قضية الإصلاح الدستوري فإنه لابد قاض على ما حاق بالأمة من شدة وهوان طال عهدهما، وسرعان ما أصبح عرابي وأصحابه بجرأتهم وحركتهم الناجحة معقد آمال الأمة وموضع إعجابها، واستحال في نظر الوطنيين ما كان يقصد به أن يكون مجرد احتجاج عسكري إلى فعلة مدنية وطنية، وأصبح عرابي رجل مصر المشار إليه بالبنان، ولقب بالرجل الوحيد، وما هو إلا قليل من الزمن حتى توثقت العلاقات بينه وبين أكثر الزعماء السياسيين في ذلك الزمن.»
وقال مؤلف ذلك الكتاب أيضا: «كان في وسع كل إنسان إذ ذاك أن يخبر بأن الجيش إن سنحت - أو عندما تسنح - له فرصة للظهور في ميدان العمل مرة أخرى فإن ذلك لن يكون من أجل مصالح أفراده أو وظيفته، ولكن من أجل مصالح الأمة السياسية العامة.» •••
أعد أحمد عرابي بيانا أرسله إلى أعيان البلاد، يبين فيه أخطاء الحكومة واستبدادها، ويدعو الناس إلى معاونته لانتشال البلاد مما هي فيه، وقد جاء في مذكراته وصف استعداده لهذا العمل. قال: «ثم أخذت في نشر أفكاري بين علماء الأمة وأعيانها وعمد البلاد ومشايخ العربان طالبا منهم مساعدتي في حفظ الأمن والراحة العمومية، حتى نتفرغ للنظر في مصالح البلاد ونتوفر على انتشالها من وهدة الاضمحلال ...» إلى أن قال: «وسيلي ذلك إسقاط الوزارة الحاضرة التي لا تريد بالبلاد خيرا، وتشكيل مجلس نواب يعهد إليه في الوصول بنا إلى الحرية المنشودة، وختمت المنشور بطلب مساعدة أبناء البلاد وتأييدهم، وبناء على ذلك وفدت علينا الوفود من جميع أنحاء القطر، وسلمت عرائض النيابة عنها، وفوضت إلينا العمل لما فيه سعي البلاد وخلاصها من براثن رجال الاستبداد، معلنة تضامنها معنا في كل ما نقوم به من أعمال الإصلاح وما ينتج عنه من النتائج.»
Unknown page