170

Ahlam Min Abi

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

Genres

قالت: «أنتما الاثنان! إننا نبحث عنكما في كل مكان!»

أشرت لها أن تبتعد لكن روي اندفع ناهضا من على مقعده مما جعله يسقط على الأرض.

قال وهو يحيط خصرها بذراعه: «تعالي يا امرأة.» وتابع: «هيا لنذهب ونرقص.»

الفصل الثامن عشر

في الخامسة والنصف مساء بدأ القطار يشق طريقه مغادرا محطة نيروبي القديمة للقطارات متجها غربا إلى كيزيمو. كانت جين قد قررت البقاء في المنزل، لكن باقي العائلة كان على متن القطار: كيزيا وزيتوني وأوما في مقصورة واحدة، وأنا وروي وبرنارد في المقصورة التالية. وبينما انشغل الجميع بوضع أمتعتهم هززت أنا زجاج النافذة فاتحا إياها ونظرت إلى الخارج إلى منحنى خطوط السكك الحديدية من خلفنا، وهو خط السكة الحديدية الذي ساعد على بدء تاريخ كينيا مع الاستعمار.

كان خط السكة الحديدية أكبر عمل هندسي في تاريخ الإمبراطورية البريطانية في وقت بنائه، فطوله يصل إلى 600 ميل ويمتد من مومباسا في المحيط الهندي إلى السواحل الشرقية لبحيرة فيكتوريا. وقد استغرق تنفيذ المشروع خمس سنوات، وحصد حياة عدة مئات من العمال الذين أحضرتهم الحكومة من الهند. وعندما انتهى إنشاؤه أدرك البريطانيون أنه لا يوجد مسافرون يمكنهم تغطية نفقات غرورهم. ومن ثم تبع ذلك دفع المستوطنين البيض إلى قلب القارة غير المعروفة عن طريق تنفيذ عدة إجراءات مثل تجميع الأراضي التي يمكن أن تستخدم في المساعدة على إغراء الوافدين الجدد، وزراعة المحاصيل النقدية مثل القهوة والشاي، وضرورة وجود جهاز إداري يمتد على طول خط السكة الحديدية. هذا إلى جانب البعثات التبشيرية والكنائس للتخلص من المخاوف التي تولدها الأرض المجهولة.

بدا ذلك تاريخا عتيقا. ومع ذلك كنت أعلم أن عام 1895م، العام الذي بدأ فيه تنفيذ المشروع، هو أيضا العام الذي ولد فيه جدي. وقد كنا في تلك اللحظة نسافر إلى أرض هذا الرجل نفسه: حسين أونيانجو. وقد جعل هذا التفكير تاريخ القطار يعود حيا إلى ذهني، وحاولت تخيل ما شعر به ذلك الضابط البريطاني على متن أول رحلة يقوم بها القطار، وهو يجلس في مقصورته التي يضيئها مصباح يعمل بالكيروسين، وينظر إلى أميال من الشجيرات التي تتراجع إلى الوراء مع سير القطار. هل تملكه إحساس بالنصر وثقة أن منارة الحضارة الغربية قد اخترقت الظلام الأفريقي أخيرا؟ أم شعر بنذير سوء؛ إدراك مفاجئ أن المشروع بأكمله لم يكن إلا عملا أحمق، وأن هذه الأرض وشعبها سيصمدان أكثر من الأحلام الاستعمارية؟ وحاولت تخيل الإنسان الأفريقي على الجانب الآخر من النافذة الزجاجية وهو يشاهد هذا الثعبان المتلوي من المعدن الذي ينبعث منه دخان أسود يمر على قريته للمرة الأولى. ترى هل كان ينظر إلى القطار بحسد ويتخيل نفسه يجلس في يوم من الأيام في العربة نفسها التي يجلس فيها الرجل الإنجليزي، ويجد أعباء حياته قد خفت بعض الشيء؟ أم أنه قد ارتجف ورؤى الدمار والحرب تداهمه؟

لكن مخيلتي خذلتني، وعدت إلى المشهد الحالي، لم تعد هناك شجيرات وإنما أسطح بيوت وادي ماثار تمتد إلى سفوح الجبال وراءها. وعندما مررنا بإحدى الأسواق المكشوفة في الهواء الطلق، رأيت صفا من الصبية الصغار يلوحون للقطار. فلوحت لهم، وسمعت صوت كيزيا تقول شيئا بلغة لوو من خلفي. فجذب برنارد قميصي فجأة.

وقال: «إنها تقول إنك يجب أن تبقي رأسك بالداخل. فهؤلاء الصبية سيقذفونك بالحجارة.»

جاء أحد العاملين بالقطار ليأخذ طلباتنا الخاصة بفرش النوم، ويخبرنا أن الطعام بدأ يقدم؛ لذا ذهبنا جميعا إلى عربة الطعام وجلسنا على طاولة. كانت العربة صورة للأناقة الذاوية: الألواح الخشبية الأصلية لا تزال كما هي لكنها باهتة، وأدوات المائدة الفضية حقيقية لكنها غير ملائمة تماما. والطعام رائع والجعة باردة، وبنهاية الوجبة غمرني شعور بالرضا.

Unknown page