فأومأت له: «سبعة عشر.» وأطلقت دخان السيجارة في الهواء. ثم قلت: «سبعة عشر، إنك تعرف ماذا يعني هذا، أليس كذلك؟ يعني أنك رجل تقريبا. أصبحت شخصا ذا مسئوليات. تجاه عائلتك. وتجاه نفسك. ما أحاول أن أقوله لك هو أنه قد حان الوقت لتقرر القيام بشيء يثير اهتمامك. قد يكون هذا الشيء هو ميكانيكا السيارات. أو قد يكون شيئا آخر. ولكن مهما يكن هذا الشيء فعليك أن تحدد بعض الأهداف وتسعى لتحقيقها. يمكن أن أساعدك أنا وأوما في دفع مصاريف المدرسة، لكن لا يمكننا أن نعيش حياتك بدلا منك. عليك أن تبذل بعض المجهود. أتفهمني؟»
فأومأ برنارد بالإيجاب. وقال: «أفهمك.»
جلسنا يخيم علينا الصمت بعض الوقت نراقب ملعقة برنارد تدور في الآيس كريم الذي أصبح سائلا. وبدأت أتخيل كم تبدو كلماتي جوفاء في نظر أخي، أخي الذي كان كل ما ارتكبه من ذنب هو أنه ولد على الجانب الخطأ من عالم أبي الممزق. ولم يبد أنه استاء مني لهذا. ليس بعد. لا بد أنه يتساءل فقط لماذا أتظاهر أن قواعدي ستنطبق عليه بشكل ما. فكل ما كان يريده بعض التذكارات لعلاقتنا، ربما شرائط بوب مارلي أو حذاء كرة السلة بمجرد أن أرحل. أشياء قليلة للغاية يطلبها، وأي شيء آخر أقدمه، مثل نصيحة أو توبيخ أو طموحي له، سيبدو أقل شأنا من هذه الأشياء.
أطفأت السيجارة واقترحت أن نذهب. وعندما خرجنا إلى الشارع ألقى برنارد ذراعه حول كتفي.
وقال قبل أن يلوح مودعا ويختفي في الزحام: «من الجميل أن يكون لي أخ كبير قريب مني.» •••
ما معنى العائلة؟ هل هي فقط سلسلة جينية من آباء وذرية، أناس يشبهونني؟ أم أنها بناء اجتماعي ووحدة اقتصادية هي الوضع الأمثل لتربية الأطفال وتقسيم العمل؟ أم أنها شيء آخر مختلف تماما؛ مخزون من الذكريات المشتركة مثلا؟ نطاق من الحب؟ يد تمتد إليك في الفراغ؟
وضعت قائمة بالاحتمالات. ولكني لم أتوصل إلى إجابة محددة قط، وكنت أعي مسبقا، نظرا لظروفي، أن مثل هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل. وبدلا من ذلك رسمت سلسلة من الدوائر حول نفسي؛ دوائر لها حدود تتغير بمرور الوقت وبتغير الأوجه، ولكنها مع ذلك قدمت لي وهم السيطرة. فهناك دائرة داخلية وبها الحب مستمر والحقوق غير خاضعة للنزاع. ثم دائرة ثانية: عالم من الحب الخاضع للتفاوض حيث الاختيار الحر للالتزام. ثم دائرة من الزملاء والمعارف مثل السيدة البشوشة الوجه التي كسا الشيب شعرها والتي تسجل البضائع على آلة تسجيل النقود في المتجر في شيكاغو. حتى تتسع الدائرة في النهاية لتضم أمة أو عرقا، أو اتجاها أخلاقيا محددا، وفيها لا يعود الالتزام مرتبطا بوجوه أو أسماء، ولكنها في الواقع تكون التزامات أتعهد بها أمام نفسي.
وفي أفريقيا انهار على الفور عالم الدوائر الذي رسمته. فقد كانت العائلة في كل مكان: في المتاجر، في مكتب البريد وفي الشوارع وفي الحدائق، جميعهم يتحدثون ويتجادلون عن ابن أوباما الذي فقد لوقت طويل. وإذا ذكرت بصورة عابرة أنني أحتاج إلى كراسة أو كريم حلاقة، يمكن أن تصر واحدة من عماتي على أن تصحبني إلى ركن ناء في نيروبي كي أشتريه بأرخص سعر، بصرف النظر عما تستغرقه الرحلة، أو كم قد تكون غير مناسبة لها.
وتجد الواحدة منهن تقول: «آه يا باري ... وماذا أهم من مساعدة ابن أخي؟»
وإذا اكتشف أحد أولاد عمومتي أن أوما قد تركتني أتولى أموري بنفسي، فقد يسير مسافة ميلين إلى شقة أوما لمجرد أن هناك احتمالا بعيدا أن أكون هناك وأحتاج إلى رفقة.
Unknown page