نظر إلي روي وابتسم. «أستطيع أن أقول إنك شخص كثير القلق يا باراك. وتلك هي مشكلتي أيضا. أعتقد أننا في حاجة إلى تعلم كيف نتقبل الأوضاع كما هي ونرضى بالأمر الواقع. أليس هذا ما تقولونه في أمريكا؟ فقط تقبل الأوضاع وارض بالأمر الواقع ...» ضحك روي مجددا بصوت عال استدار تجاهه الجالسون على المائدة المجاورة لنا. لكنها كانت ضحكة بلا روح فبدت جوفاء غير صادقة، كما لو كانت آتية من مسافة شاسعة ومن مكان لا حياة فيه. •••
سافرت على طائرة اليوم التالي؛ لا بد أن روي كان يريد قضاء بعض الوقت مع زوجته ولم يكن لدي المال الذي أدفعه لقضاء ليلة أخرى في الفندق. تناولنا الفطور معا وفي الصباح بدا أفضل حالا. وعند بوابة المطار تصافحنا وتعانقنا ووعدني بأن يزورني بمجرد أن تستقر الأمور. في أثناء رحلة العودة إلى شيكاغو وعلى مدار ما تبقى من عطلة نهاية الأسبوع لم أستطع أن أخلص نفسي من الشعور بأن روي في خطر ما، وأن شياطين ذكرياته القديمة تقوده إلى الجحيم، وفكرت أنني إذا تصرفت كما ينبغي أن يتصرف الأخ فسوف أمنع سقوطه في هوة الجحيم.
عندما دخل جوني مكتبي في وقت متأخر بعد ظهر يوم الإثنين كنت لا أزال أفكر في روي.
قال جوني: «عدت مبكرا . كيف كانت الرحلة؟» «كانت جميلة. وكان من الرائع أن أرى أخي.» أومأت برأسي وأنا أطرق على حافة المكتب برفق. قلت: «إذن ماذا حدث أثناء غيابي؟»
جلس جوني على أحد المقاعد. وقال: «حسنا، تقابلنا مع عضو مجلس الشيوخ عن الولاية. وقد تعهد بتقديم مشروع قانون للحصول على التمويل اللازم لبرنامج التطوير للنظام المدرسي. ربما لن يصل إلى النصف مليون دولار بأكملها لكنه سيفي بالغرض.» «رائع. وماذا عن مديري المدارس الثانوية؟» «عدت للتو من اجتماع مع دكتور كينج، مدير المدرسة التي يعمل بها أسانتي. ولم يرد سائر المديرين على اتصالاتي.» «ممتاز. وماذا قال دكتور كينج؟»
قال جوني: «ابتسم طوال الوقت. وقال إنه أعجب بالاقتراح بالفعل. وسعد للغاية عندما سمع أن هناك إمكانية للحصول على التمويل. وقال إنه شجع المديرين الآخرين على التعاون معنا وأننا سنحصل على دعمه الكامل. وقال: «لا يوجد شيء أكثر أهمية من إنقاذ شبابنا.»» «رائع.» «نعم. رائع. وعندما كنت على وشك مغادرة مكتبه أعطاني هذه فجأة.» أمسك جوني حقيبته وأخرج ورقة منها وأعطاني إياها. قرأت سطورا قليلة قبل أن أعطيها له مرة أخرى. «سيرة ذاتية؟» «ليست أية سيرة ذاتية يا باراك. إنها تخص زوجته. يبدو أنها سئمت البقاء في المنزل، ويعتقد دكتور كينج أنها ستكون مديرة «رائعة» لبرنامجنا. وفي هذا الصدد يجب ألا نسيء فهمه فنظن أنه يضغط علينا. وبمجرد تخصيص التمويل سيكون هناك اعتبارات أخرى، من المؤكد أنك تعلم ما أقصد.» «أعطاك السيرة الذاتية الخاصة بزوجته ...» «ليس فقط الخاصة بزوجته.» أمسك جوني مرة أخرى بحقيبته وأخرج ورقة أخرى ولوح بها في الهواء. وقال: «أعطاني السيرة الذاتية الخاصة بابنته أيضا. وأخبرني أنها ستكون مستشارة رائعة ...» «لا ...» «إنني متأكد يا باراك من أنه خطط لكل شيء. أتعلم؟ بالإضافة إلى أنه طوال وقت حديثنا لم يشعر بالخجل إطلاقا. كان يتصرف وكأن ما يفعله هو أكثر شيء طبيعي يحدث في العالم. أمر لا يصدقه عقل.» هز جوني رأسه، ثم فجأة صاح وكأنه واعظ. وقال: «نعم! إنه الدكتور لوني كينج! مثال الجرأة والبسالة ! الشجاع المقدام! صاحب الأفكار الجريئة! لم يبدأ البرنامج بعد، وها هو ذا يفكر فيه مستقبلا.»
بدأت أضحك.
أضاف قائلا: «إنه لا يريد وظيفة واحدة فقط! بل اثنتين! اذهب وتحدث معه عن بعض الأطفال وسيعطيك السير الذاتية الحمقاء لعائلته بأكملها ...»
صحت صيحة قلدته فيها. قلت: «دكتور لوني كينج!»
قهقه وهو يقول: «نعم! دكتور لوني كينج!» مما جعلني أضحك أكثر وبلغ بنا الضحك مبلغا جعلنا ننحني لأعلى ولأسفل ونحن نقهقه، ولا نلبث أن نلتقط أنفاسنا حتى نعود لتكرار هذه العبارة مرة أخرى «دكتور لوني كينج!» كما لو كانت تشتمل على أوضح الحقائق على الإطلاق أو أكثر العناصر أهمية من بين الأربعة عناصر المكونة للعالم المادي. ظللنا نضحك إلى أن توهجت وجوهنا وآلمتنا ضلوعنا وسالت الدموع من أعيننا وشعرنا بأننا لم نعد نستطيع الضحك لأكثر من ذلك، وقررنا أن نرتاح الوقت المتبقي بعد ظهر هذا اليوم دون عمل ونحتسي الجعة. •••
Unknown page