117

Ahlam Min Abi

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

Genres

كان سبب ذلك إلى حد ما ينبع من مشكلة عدم وجود مصلحة شخصية وعدم توافق الآراء. فمثلا أخبرني أعضاء كنيسة مسنون أنهم بالفعل ربوا أبناءهم، أما أولياء الأمور الأصغر سنا - مثل أنجيلا وماري - فقد أرسلوا أطفالهم إلى المدارس الكاثوليكية. ولم يتحدث أحد عن أكبر مصدر للمقاومة إلا نادرا، وهو في الواقع يتمثل في الحقيقة المرة التي فحواها أن كل كنيسة من كنائسنا كانت مليئة بالمدرسين ومديريها ومراقبيها. ولم يرسل من هؤلاء المعلمين أطفاله إلى المدارس العامة إلا قليل لأنهم كانوا يعلمون كثيرا عن هذا الأمر. لكنهم كانوا يدافعون عن الحالة الراهنة بالمهارة والحماسة نفسها التي كان أقرانهم من البيض يدافعون بها عنها منذ عقدين. وكانوا يقولون لي إنه لم يكن هناك موارد مالية كافية لإجراء الإصلاح كما ينبغي (وكانوا بالفعل محقين في ذلك.) كانت مجهودات الإصلاح - مثل اللامركزية أو الحد من البيروقراطية - جزءا من مجهودات بذلها البيض لاستعادة السيطرة من جديد (وهذا أمر غير صحيح مائة بالمائة.) أما الطلاب فقد كانوا صعاب المراس. كانوا كسالى. كانوا عنيدين. كانوا بطيئين. لكن ربما لم يكن ذلك خطأهم، ومن المؤكد أنه لم يكن خطأ المدارس أيضا. في الواقع لم يكن هناك أي أطفال سيئين لكن المؤكد أنه كان هناك العديد من الآباء السيئين.

في مخيلتي كانت هذه المحادثات رمزا للتسوية غير المعلنة التي توصلنا إليها منذ ستينيات القرن العشرين، والتي سمحت لنصف أطفالنا بإحراز تقدم حتى إن لم يستطع النصف الآخر فعل ذلك. والأكثر من ذلك أن المحادثات أغضبتني وبسبب الدعم الفاتر المفتقد للحماسة الذي تلقيناه من القيادة قررت أنا وجوني أن نعالج الأمر ونبدأ بزيارة بعض المدارس في المنطقة على أمل تجميع أصوات تدعمنا بخلاف أولياء الأمور الشباب في ألتجيلد .

بدأنا حملتنا بمدرسة كايل الثانوية التي كانت تنعم بأفضل سمعة في المنطقة. وكانت المدرسة تتكون من مبنى واحد جديد نسبيا لكنه مفتقر للمسات الشخصية والجمالية، حيث كان مشتملا على أعمدة صلبة جرداء وممرات عارية طويلة ونوافذ زجاجها ضبابي لا يمكن فتحها، مثلها مثل النوافذ في الصوبات الزجاجية. قال لنا المدير - وكان رجلا كيسا حسن المظهر اسمه دكتور لوني كينج - إنه كان متحمسا للعمل مع مجموعات مجتمعية مثل مجموعتنا. بعد ذلك ذكر أن أحد المستشارين في مدرسته - وكان يدعى السيد أسانتي موران - كان يحاول بدء برنامج إرشادي للشباب في المدرسة واقترح أن نقابله.

اتبعنا المسار الذي أشار علينا به دكتور كينج إلى أن وصلنا إلى مكتب صغير بالقرب من مؤخرة المبنى. وكان المكتب مزينا ببعض اللمسات الأفريقية مثل: خريطة للقارة وصور لملوك وملكات أفريقيا القدماء، ومجموعة من الطبول، وأوان من نبات القرع، وقطعة من القماش منسوجة يدويا بألوان مبهجة معلقة على الحائط. وخلف المكتب كان يجلس رجل طويل القامة مهيب له شارب طويل كثيف ملفوف لأعلى وفك بارز. كان الرجل يرتدي زيا أفريقيا وسوارا من شعر الفيل حول معصمه السميك. وقد بدا في بادئ الأمر غير سعيد حيث كان أمامه على المكتب كومة متراصة من امتحانات القبول في الجامعات. لذا شعرت أن اتصال دكتور كينج به كان مقاطعة لعمله غير مرحب بها. على العكس من ذلك طلب منا الجلوس وأخبرنا أن نناديه باسمه دون ألقاب، وعندما أصبحت قضيتنا أكثر وضوحا بدأ يشرح لنا بعض أفكاره.

قال لنا وهو ينظر إلي وإلى جوني تباعا: «إن أول شيء عليكما إدراكه هو أن نظام المدارس العامة لا يهتم بتعليم الأطفال السود. ولم يكن كذلك على الإطلاق. والمدارس التي تقع في قلب المدينة شغلها الشاغل هو الانضباط الاجتماعي الذي لا يطبق إلا في أثناء الحصة الدراسية. انتهى الأمر. وفي الواقع فإن هذه المدارس تعمل كأنها حظيرة؛ أو بالأحرى سجون صغيرة. وعندما يبدأ الأطفال السود في الخروج من الحظيرة بعد انتهاء الحصص ومضايقة البيض لا يهتم المجتمع إطلاقا بقضية تعليم هؤلاء الأطفال.

لا تفكرا إلا فيما يمكن أن يشتمل عليه التعليم الحقيقي لهؤلاء الأطفال . في مستهل الأمر لا بد أن يبدأ التعليم بتعريف الطفل بنفسه وبعالمه وبثقافته وبمجتمعه. وتلك هي نقطة البداية لأية عملية تعليمية لأن هذا هو ما يجعل الطفل مستعدا وبحماس لأن يتعلم، والذي يدفعه لذلك هو الوعد الذي يتلقاه بكونه جزءا من شيء ما وبقدرته على السيادة والتحكم في بيئته. لكن فيما يتعلق بأي طفل أسود فإن كل الموازين تتغير. فمن يومه الأول في المدرسة، ماذا يتعلم؟ يتعلم تاريخا غير تاريخه. ويتعلم ثقافة غير ثقافته. ليس ذلك فقط، بل إن الثقافة التي من المفترض أن يتعلمها هي الثقافة نفسها التي رفضته - بكل ما في الكلمة من معنى - وأنكرت إنسانيته.»

اتكأ أسانتي للخلف على مقعده وشبك يديه أسفل صدره، وطرح علينا السؤال الآتي: «هل من المثير للدهشة أن يفقد الطفل الأسود اهتمامه بالتعليم؟ بالطبع لا. إن الأمر أسوأ للأولاد عن البنات لأن البنات على الأقل لديهن أمهات يستطعن التحدث معهن، على عكس الأولاد الذين ليس لديهم من يتحدثون إليه. ونصفهم لا يعرف أحدا حتى آباءهم، ولا يوجد من يرشدهم في مرحلة البلوغ ... ليشرح لهم معنى الرجولة. وهنا تكمن الكارثة لأنه في كل مجتمع يكون للشباب ميول عنيفة. وهذا سواء أكانت هذه الميول موجهة ومنظمة في مسارات إبداعية أم في مسارات تهديمية للشباب أنفسهم أو المجتمع أو لكليهما.

لذا فإن هذا هو الأمر المفترض التركيز عليه هنا. وحيثما أكون أحاول ملء هذه الفجوة. فأشرح التاريخ الأفريقي للطلاب والجغرافيا والتقاليد الفنية الأفريقية. إنني أحاول منحهم مبادئ قويمة مختلفة عما تعلموه؛ شيئا يدحض تأثيرات المادية والفردية والإشباع الفوري التي يتجرعونها على مدار 15 ساعة خارج المدرسة. إنني أعلمهم أن الأفارقة جزء من المجتمع. كما أعلمهم أنهم يحترمون من يكبرهم سنا. وفي الواقع شعر زملائي الأوروبيون بالخطر من تعاليمي هذه، لكنني أخبرتهم أن الأمر ليس متعلقا بتشويه سمعة ثقافتهم، بل إن الغرض الفعلي هو منح الشباب قاعدة يستندون إليها طوال حياتهم. وإن لم ينغمسوا في تقاليدهم الخاصة فلن يصبحوا قادرين إطلاقا على تقدير ما تقدمه الثقافات الأخرى ...»

في هذه اللحظة سمعنا طرقا على الباب، وعندما فتح نظر شاب نحيف طويل القامة نظرة سريعة إلى الداخل. اعتذر لنا أسانتي قائلا إن لديه موعدا آخر ورأى أنه سيكون سعيدا إذا قابلنا مرة أخرى لمناقشة برامج الشباب الممكنة في المنطقة. بعدها سألني أسانتي عن اسمي وهو يوصلني أنا وجوني إلى الباب، وأدليت له بمعلومات قليلة عن تاريخي.

عندما سمع حديثي ابتسم أسانتي وقال: «اعتقدت ذلك بالفعل!» وأضاف: «أتعلم، كانت أولى رحلاتي للقارة الأفريقية إلى كينيا. وكان ذلك منذ 15 عاما لكنني أتذكر الرحلة كما لو لم تكن إلا أمس. لقد غيرت هذه الرحلة حياتي للأبد. وفي الواقع كان أهل كينيا ودودين ورحبوا بي ترحيبا حارا. وأرضها جميلة لم أر مثلها قط. وبالفعل شعرت أنها وطني.» تلألأ وجهه بذكراه هناك. وسألني: «متى كانت آخر مرة ذهبت فيها إلى كينيا؟»

Unknown page