115

Ahlam Min Abi

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

Genres

وهذا هو الشيء الجديد؛ أعني التوصل إلى توازن من نوع جديد بين الأمل والخوف، الشعور الذي يشترك فيه الكبار والشباب على حد سواء بأن بعض أولادنا - إن لم يكن معظمهم - كانوا ينحرفون عن بر الأمان. حتى إن أمضوا كل حياتهم في الجانب الجنوبي مثل جوني فقد لاحظوا هذا التغيير. قال لي في أحد الأيام ونحن جالسان في شقته نحتسي الجعة: «إنني لم أر شيئا مثل ذلك مطلقا يا باراك.» وتابع: «أقصد أن الظروف كانت قاسية وأنا في مراحل نضجي، لكن كانت هناك حدود. كنا نسيء التصرف ونتشاجر، لكن في حضور الآخرين في المنزل إذا رآك شخص أكبر سنا وأنت تتحدث بصوت مرتفع أو تسيء التصرف كانوا يوبخونك. وكان معظمنا يستمع إليهم ويحترمهم. أتفهم ما أعني؟

ولكن الآن، في ظل انتشار المخدرات والأسلحة اختفى كل ذلك. لا تظن أن الصبية كلهم يحملون مسدسات. فربما لا يحملها إلا واحد منهم أو اثنان. وفي هذا التجمع يقول أحدهم للآخر شيئا فيرد عليه آخر برصاصة ويرديه قتيلا! وعندما يسمع الناس قصصا من هذا القبيل لا يصنعون شيئا حتى محاولة التحدث إلى هؤلاء الصبية. وبذلك بدأنا نعمم في حديثنا عنهم مثلما يفعل البيض. وعندما نراهم متمركزين في أحد الأماكن نتخذ طريقا آخر بعيدا عنهم. حتى إن الأطفال المتميزين يبدءون بعد فترة يدركون أنه لن يعتني بهم أحد. لذا يقومون هم بهذه المهمة ويعتنون بأنفسهم. وخلاصة القول إنه سيكون لديك أطفال في الثانية عشرة من عمرهم يضعون قوانينهم الخاصة.»

احتسى جوني رشفة من الجعة وتجمعت الرغوة فوق شاربه. وأكمل حديثه: «إنني لا أعرف يا باراك. أحيانا أخاف منهم. لا بد للمرء أن يخشى من شخص لا يهتم بأي شيء. لا بد أن يفعل ذلك مهما كان صغيرا.»

بعد أن عدت إلى شقتي فكرت فيما قاله جوني. هل كنت أخاف منهم؟ لم أعتقد ذلك ... على الأقل ليس بالطريقة التي قصدها جوني. وعند تفكيري في ألتجيلد وأحوال المناطق الأخرى التي من العسير العيش فيها، كانت مخاوفي دائما تعتمل داخل نفسي، مخاوفي القديمة المتعلقة بعدم الانتماء. ولم تخطر ببالي مطلقا فكرة الإيذاء البدني. والأمر نفسه انطبق على الفرق الذي قدمه جوني بين الأطفال المتميزين والأطفال العدوانيين لأن هذا الفرق لم يبد منطقيا لي. وبدا الأمر معتمدا على افتراض تعارض مع تجربتي متمثل في أن الأطفال ربما يكونون إلى حد ما قد وضعوا شروط تطورهم. فكرت في ابن بيرناديت البالغ من العمر خمسة أعوام وهو يجري مسرعا فرحا في شوارع ألتجيلد غير المستوية بين مبنى معالجة مياه الصرف الصحي ومقلب النفايات. أين موقعه في دائرة الخير؟ إذا انتهى به الأمر وهو عضو في عصابة أو مسجون، هل هذا سيثبت وجوده إلى حد ما أم سيعتبر خارجا عن القانون، أم سيكون ذلك نتيجة للبيئة غير الملائمة التي عاش فيها؟

وماذا عن كايل: كيف كان يمكن لأحد تفسير ما مر به؟ اتكأت إلى الخلف على كرسيي مفكرا في ابن روبي الذي أتم السادسة عشرة فقط. ولم يزده العامان التاليان لوصولي إلى شيكاغو سوى العديد من البوصات طولا وكبر حجم وظهور أثر قليل فوق شفته العليا تمهيدا للشارب. كان لا يزال مؤدبا في تعامله معي ولا يزال مستعدا للتحدث معي بخصوص فريق شيكاغو بولز لكرة السلة. وقال لي إن هذا العام قاد جوردن الفريق إلى النهائيات. لكن كلما ذهبت لزيارتهما أجده قد غادر المنزل للتو أو خرج مع أصدقائه. وفي بعض الليالي كانت روبي تتصل بي في المنزل للتحدث عنه وتخبرني كيف أنها لم تعد تعرف أين يذهب، وكيف أصبحت درجاته تنخفض في المدرسة، وكيف يفعل أشياء ويخفيها عنها، وأن باب غرفته كان دائما مغلقا.

كنت أطمئنها دائما بقولي: «لا تقلقي، كنت أسوأ بكثير عندما كنت في مثل عمره.» لكنني لا أعتقد أنها صدقت هذه الحقيقة، على أن مجرد سماع هذه الكلمات كان يبدو وكأنه يجعلها تشعر بحال أفضل. وفي أحد الأيام حاولت معرفة ما يفكر فيه كايل وما ينوي فعله، فدعوته ليصاحبني للعب كرة السلة في صالة الألعاب الرياضية بجامعة شيكاغو. كان هادئا في معظم الطريق إلى هايد بارك محاولا منعي طرح أي سؤال بإصدار أصوات متذمرة أو هز كتفيه. لكنني سألته ألا يزال يفكر في الالتحاق بالقوات الجوية، فهز رأسه وقال إنه سيظل في شيكاغو ويبحث عن وظيفة ويحصل على مركز مرموق في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك سألته لماذا غير رأيه فقال إن القوات الجوية لن تسمح أبدا لرجل أسود بقيادة طائرة.

نظرت إليه بغضب. وقلت له: «من أخبرك بهذا الهراء؟»

هز كايل كتفيه: «لست في حاجة لأن يخبرني أحد بذلك. الأمر دوما ما يسير على هذا النحو.» «هذا تفكير خاطئ. إن بوسعك فعل ما تريد إذا كنت مستعدا لأن تبذل ما في استطاعتك لفعله.»

ابتسم كايل ابتسامة مصطنعة، وأدار وجهه ناحية النافذة وتركت أنفاسه بصمات على الزجاج. وقال: «حسنا، كم عدد الطيارين السود الذين تعرفهم؟»

لم تكن صالة الألعاب الرياضية مزدحمة عندما وصلنا، واضطررنا إلى انتظار انتهاء مباراة واحدة قبل أن ندخل إلى الملعب. وكان ذلك بعد أن مر على الأقل ستة أشهر على آخر مرة لعبت فيها كرة السلة وأصبح للسجائر تأثيرها علي؛ في الشوط الأول من المباراة نجح اللاعب الذي يراقبني في انتزاع الكرة مني دون مخالفة إلا أنني طالبت الحكم بأن يحتسب مخالفة مما جعل اللاعبين الجالسين على حدود الملعب يصيحون بسخرية. وفي الشوط الثاني مشيت على خط منتصف الملعب وأنا أشعر بدوار خفيف.

Unknown page