قال القس الجليل: «إن المشكلة لا تكمن في هيئة الإسكان بشيكاغو.» وتابع: «بل تكمن في الأساس في أن الفتيات هنا ينخرطن في كل أنواع الفجور.»
قال لي بعض المستأجرين في ألتجيلد إن السيد أندرسون لم يصلح شقق أحد ممن يعارضون السيدة ريس وقائمة المرشحين في أثناء انتخابات المكتب الاستشاري المحلي، وإن السيدة ريس كانت بذلك تابعة للقس جونسون، وإن القس كان يملك مكتبا لتقديم خدمات الحراسة الأمنية بموجب عقد أبرم مع هيئة الإسكان بشيكاغو. لم أستطع تحديد هل ما قيل صحيح أم لا، أو هل سيحدث الأمر برمته فرقا أم لا. إن هؤلاء الأفراد الثلاثة عكسوا آراء وتصرفات معظم من كانوا يعملون في ألتجيلد؛ المدرسين وإخصائيي علاج الإدمان ورجال الشرطة. كان المال هو السبب الذي دعا البعض للذهاب إلى ألتجيلد في حين كان للبعض الآخر رغبة حقيقية في تقديم يد المساعدة. وأيا كانت دوافعهم فإنهم اعترفوا في مرحلة معينة بشعورهم الجماعي بالملل الذي نخر في عظامهم. وفقدوا ثقتهم السابقة بقدرتهم على تغيير حالة التدهور التي رأوها في كل شيء حولهم. وفي ظل فقدان الثقة شعروا بفقدان القدرة على التمرد على كل ما حدث لهم. وببطء شديد تلاشت فكرة المسئولية - عن أنفسهم وعن الآخرين - وحل محلها تواضع توقعاتهم وكوميديا نابعة من المواقف السوداوية التي تعرضوا لها.
كان ويل محقا إلى حد ما؛ فإنني شعرت أن هناك شيئا لا بد من إثباته: إلى أهل ألتجيلد، إلى مارتي، إلى أبي، وإلى نفسي. ما فعلته كان له أهمية أثرت على أشياء أخرى. ولم أكن ساعيا بجنون وراء أوهام يستحيل تحقيقها. وفيما بعد عندما حاولت شرح بعض هذه الأمور إلى ويل ضحك وهز رأسه مفضلا أن يعزو موقفي الغاضب يوم قص الشريط إلى غيرة صبيانية. وقال لي: «أرى أنك مثل الديك الصغير يا باراك، وهارولد مثل الديك الكبير. فما حدث أن الديك الكبير عندما حضر التفت جميع الدجاجات حوله ومنحنه كل الاهتمام. مما جعل الديك الصغير يدرك أن عليه تعلم أشياء لم يكن يعرفها.»
بدا ويل مستمتعا بالمقارنة التي عقدها، وضحكت أنا أيضا معه عندما ذكرها. لكن بيني وبين نفسي علمت أنه أساء فهم طموحاتي وأساء استيعابها. إن أكثر ما أردته في الواقع هو نجاح هارولد، ومثله مثل أبي الحقيقي، فإن العمدة - وإنجازاته - بدا وكأنه قد أوضح نطاق ما كان ممكنا فعله، وأما مواهبه ونفوذه فكان لهما الفضل في تقييم آمالي. وفي أثناء سماعي له وهو يتحدث إلينا في هذا اليوم، وهو في قمة بهائه ومرحه، لم أستطع فعل أي شيء سوى التفكير في القيود المفروضة على هذا النفوذ. ربما استطاع هارولد أن يجعل الخدمات في المدينة أكثر عدلا وإنصافا. فقد حصل المتخصصون السود، الحاصلون على درجات علمية عالية، على حصص أكبر من الأعمال في المدينة. وأصبح هناك مشرفون سود على المدارس، ومأمور شرطة أسود ومدير أسود لهيئة الإسكان. وهكذا فإن وجود هارولد في السلطة قدم المواساة للناس، مثلما فعل تدين ويل وقومية رفيق. لكن بين طيات تألق النصر الذي حققه هارولد في ألتجيلد أو أي مكان آخر، لم يبد أن شيئا واحدا قد تغير.
لقد تساءلت هل فكر هارولد - بعيدا عن دائرة الضوء - في هذه القيود. وهل شعر - مثل السيد أندرسون أو السيدة ريس أو أي عدد من المسئولين السود الآخرين الذين يتولون الآن مسئولية حكم الضواحي الفقيرة المكتظة بالسكان - بأنه مقيد مثله مثل من يحكمهم، وبأنه وريث تاريخ بائس، وجزء من نظام منغلق ليس به إلا القليل من العوامل المحفزة؛ نظام ظل يفقد حماسه كل يوم وينحدر إلى حالة منخفضة المستوى من الثبات.
تساءلت هل شعر هو أيضا بأنه سجين القدر. •••
كانت الدكتورة مارثا كوليار هي الشخص الذي تمكن في النهاية من انتشالي من حالة الجبن التي عشتها. والجدير بالذكر أن مارثا كانت مديرة مدرسة كارفر - التي كانت إحدى المدرستين الابتدائيتين في ألتجيلد. وعندما تحدثت معها للمرة الأولى هاتفيا لتحديد موعد معها لم تطرح علي الكثير من الأسئلة. «يمكنني أن أستغل أية مساعدة أحصل عليها.» وتابعت: «أراك في الثامنة والنصف.»
كانت المدرسة على الحد الجنوبي لألتجيلد، واشتملت على ثلاثة مبان ضخمة من الطوب صنعت شكل حدوة حصان أحاطت بساحة كبيرة مشتملة على حفر مليئة بالقاذورات. عندما دخلت المدرسة أرشدني الحارس إلى المكتب الرئيسي الذي كانت فيه سيدة سوداء قوية البنية في منتصف العمر ترتدي زيا أزرق اللون وتتحدث إلى سيدة أصغر سنا منها كانت عصبية وفي حالة يرثى لها.
قالت الدكتورة كوليار وهي تضع ذراعها فوق كتف السيدة: «اذهبي الآن إلى المنزل واستريحي قليلا. وأنا سأجري بعض المكالمات الهاتفية، وأرى إن كان في مقدورنا اتخاذ الإجراءات الضرورية لتسوية الأمر.» أوصلت السيدة إلى الباب واستدارت نحوي. قالت: «لا بد أنك أوباما. فلتتفضل هنا. أتشرب قهوة؟»
قبل أن تعطيني الفرصة لأن أرد اتجهت ناحية السكرتيرة. وقالت لها: «أعدي فنجانا من القهوة للسيد أوباما. ألم يصل عاملو طلاء الجدران بعد؟»
Unknown page