74

al-Ahkam al-sultaniyyat

الأحكام السلطانية

Publisher

دار الحديث

Publisher Location

القاهرة

وَلَمْ أُبْعَثْ تَاجِرًا وَلَا زَارِعًا، وَإِنَّ شَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ التُّجَّارُ وَالزُّرَّاعُ إلَّا مَنْ شَحَّ عَلَى دِينِهِ"١، وَغَزَا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: "لَا يَغْزُوَنَّ مَعِي رَجُلٌ بَنَى بِنَاءً لَمْ يُكْمِلْهُ، وَلَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَا رَجُلٌ زَرَعَ زَرْعًا لَمْ يَحْصُدْهُ"٢. فَصْلٌ: وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ مَا يَلْزَمُ الْمُجَاهِدِينَ مَعَهُ مِنْ حُقُوقِ الْجِهَادِ وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَلْزَمُهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: مَا يَلْزَمُهُمْ فِي حَقِّ الْأَمِيرِ، فَأَمَّا اللَّازِمُ لَهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: مُصَابَرَةُ الْعَدُوِّ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ، بِأَنْ لَا يَنْهَزِمَ عَنْهُ مِنْ مِثْلَيْهِ فَمَا دُونَهُ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَضَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ، إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] . ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ ﷿-َ عَنْهُمْ عِنْدَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةِ أَهْلِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لَاقَى الْعَدُوَّ أَنْ يُقَاتِلَ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاَللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٦] . وَحَرَّمَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْهَزِمَ مِنْ مِثْلَيْهِ إلَّا لِإِحْدَى حَالَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَحَرَّفَ لِقِتَالٍ فَيُوَلِّي لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ لِمَكِيدَةٍ وَيَعُودُ إلَى قِتَالِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَتَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ أُخْرَى يَجْتَمِعُ مَعَهَا عَلَى قِتَالِهِمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦] . وَسَوَاءٌ قَرُبَتِ الْفِئَةُ الَّتِي يَتَحَيَّزُ إلَيْهَا أَوْ بَعُدَتْ، فَقَدْ قَالَ عُمَرُ ﵁ لِأَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ حِينَ انْهَزَمُوا إلَيْهِ: أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَجُوزُ إذَا زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ إلَى

١ ضعيف: أورده الشيخ الغزالي في سلسلة الأحاديث الضعيفة "١٥٧١"، وفي ضعيف الجامع "٢٣٤٠". ٢ رواه سعيد بن منصور في سننه "٢٨٦٧".

1 / 81