al-Ahkam al-sultaniyyat
الأحكام السلطانية
Publisher
دار الحديث
Publisher Location
القاهرة
وَاصْطَرَعَ الْقَوْمُ بِأَلْبَابِهِمْ ... نَقْضِي بِحُكْمٍ عَادِلٍ فَاصِلِ
لَا نَجْعَلُ الْبَاطِلَ حَقًّا وَلَا ... نَلْفِظُ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ
نَخَافُ أَنْ تُسَفَّهَ أَحْلَامُنَا ... فَنَحْمِلُ الدَّهْرَ مَعَ الْحَامِلِ
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَزِيرُ مُشَارِكًا فِي الرَّأْيِ احْتَاجَ إلَى وَصْفٍ ثَامِنٍ وَهُوَ الْحِنْكَةُ وَالتَّجْرِبَةُ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إلَى صِحَّةِ الرَّأْيِ وَصَوَابِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ فِي التَّجَارِبِ خِبْرَةً بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارَكْ فِي الرَّأْيِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُمَارَسَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ وَإِنْ كَانَ خَبَرُهَا مَقْبُولًا؛ لِمَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْوِلَايَاتِ الْمَصْرُوفَةِ عَنِ النِّسَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ" ١.
وَلِأَنَّ فِيهَا مِنْ طَلَبِ الرَّأْيِ وَثَبَاتِ الْعَزْمِ مَا تَضْعُفُ عَنْهُ النِّسَاءُ، وَمِنَ الظُّهُورِ فِي مُبَاشَرَةِ الْأُمُورِ مَا هُوَ عَلَيْهِنَّ مَحْظُورٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَزِيرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَزِيرُ التَّفْوِيضِ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْوَزَارَتَيْنِ بِحَسَبِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرَيْنِ، وَذَاكَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ مُبَاشَرَةُ الْحُكْمِ وَالنَّظَرُ فِي الْمَظَالِمِ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِتَقْلِيدِ الْوُلَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَسْيِيرِ الْجُيُوشِ وَتَدْبِيرِ الْحُرُوبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ.
وَالرَّابِعُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِقَبْضِ مَا يَسْتَحِقُّ لَهُ، وَبِدَفْعِ مَا يَجِبُ فِيهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ، وَلَيْسَ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مَا يَمْنَعُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَسْتَطِيلُوا فَيَكُونُوا مَمْنُوعِينَ مِنَ الِاسْتِطَالَة.
وَلِهَذِهِ الْفُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ بَيْنَ النَّظِيرَيْنِ افْتَرَقَ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ شُرُوطِ الْوَزَارَتَيْنِ:
_________
١ صحيح: رواه البخاري في كتاب الفِتَن "٧٠٩٩"، والترمذي في كتاب الفتن "٢٢٦٢"، والنسائي في كتاب آداب القضاة "٥٣٨٨"، وأحمد "٢٧٥٣٥".
1 / 58