al-Ahkam al-sultaniyyat
الأحكام السلطانية
Publisher
دار الحديث
Publisher Location
القاهرة
وَيَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَبْنِي بَيْتَهُ وَلَا يَبْنِي بَيْتَ اللَّهِ، أَلَا إنِّي هَادِمُهُ بِالْغَدَاةِ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَوْ كَانَتْ لَنَا سِعَةٌ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أُسِّ إبْرَاهِيمَ، وَلَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا" ١.
وَسَأَلَ الْأَسْوَدُ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ عَائِشَةَ ﵂ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَالَ لَهَا: "إنَّ النَّفَقَةَ قَصُرَتْ بِقَوْمِكَ فَاقْتَصَرُوا، وَلَوْلَا حَدَثَانُ عَهْدِهِمْ بِالْكُفْرِ لَهَدَمْتُهُ وَأَعَدْتُ فِيهِ مَا تَرَكُوا" ٢.
فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَى عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقِيلَ: هُوَ نَائِمٌ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ وَأَيْقَظَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَالَ: "إنَّ الْأَرْضَ لَتَضِجُّ إلَى اللَّهِ تعالى مِنْ نَوْمَةِ الْعُلَمَاءِ فِي الضُّحَى" ٣.
فَهَدَمَهَا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ كُنْت هَادِمَهَا فَلَا تَدَعْ النَّاسَ بِلَا قِبْلَةٍ، فَلَمَّا هُدِّمَتْ قَالَ النَّاسُ: كَيْفَ نُصَلِّي بِغَيْرِ قِبْلَةٍ؟ فَقَالَ جَابِرٌ وَزَيْدٌ: صَلُّوا إلَى مَوْضِعِهَا فَهُوَ الْقِبْلَةُ، وَأَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَوْضِعِهَا فَسُتِرَ وَوُضِعَ الْحَجَرُ فِي تَابُوتٍ فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ: رَأَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ ذِرَاعٌ أَوْ يَزِيدُ، وَكَانَ جَوْفُهُ أَبْيَضَ مِثْلَ الْفِضَّةِ، وَجَعَلَ حُلِيَّ الْكَعْبَةِ عِنْدَ الْحَجَبَةِ فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا أَرَادَ بِنَاءَهَا حَفَرَ مِنْ قِبَلِ الْحَطِيمِ حَتَّى اسْتَخْرَجَ أُسَّ إبْرَاهِيمَ ﵇، فَجَمَعَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا أُسَّ إبْرَاهِيمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَبَنَاهَا عَلَى أُسِّ إبْرَاهِيمَ ﷺ، وَأَدْخَلَ فِيهَا الْحَجَرَ سِتَّةَ أَذْرُعٍ، وَتَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعًا. وَقِيلَ: أَدْخَلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَتَرَكَ ثَلَاثًا، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ مَلْصُوقَيْنِ بِالْأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا، يَدْخُلُ مِنْ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنَ الْآخَرِ، وَجَعَلَ عَلَى بَابِهِمَا صَفَائِحَ الذَّهَبِ، وَجَعَلَ مَفَاتِيحَهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ مِمَّنْ حَضَرَ بِنَاءَهَا مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ، فَقَالَ: عَمِلْتُ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مَرَّتَيْنِ، وَاحِدَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِقُوَّةِ غُلَامٍ نَفَّاعٍ، وَأُخْرَى فِي الْإِسْلَامِ بِقُوَّةِ كَبِيرٍ فَانٍ.
وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَجَدَ فِي الْحَجَرِ صَفَائِحَ حِجَارَةٍ خُضْرٍ قَدْ أَطْبَقَ بِهَا عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: هَذَا قَبْرُ نَبِيِّ اللَّهِ إسْمَاعِيلَ ﵇، فَكُفَّ عَنْ تَحْرِيكِ تِلْكَ الْحِجَارَةِ، ثُمَّ بَقِيَتْ الْكَعْبَةُ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى حَالِهَا إلَى أَنْ حَارَبَهُ الْحَجَّاجُ
١ صحيح: رواه البخاري في كتاب الحج " ١٥٨٦"، ومسلم في كتاب الحج "١٣٣٣".
٢ انظر: التخريج السابق.
٣ ذكره أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي في معتصر المختصر "١/ ١٠".
1 / 245