al-Ahkam al-sultaniyyat
الأحكام السلطانية
Publisher
دار الحديث
Publisher Location
القاهرة
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْإِمَامَةُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ تَقْلِيدِهَا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ السُّلْطَانِ، أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ فِيهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ ﵁، وَفُقَهَاءُ الْحِجَازِ إلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ فِيهَا نَدْبٌ، وَأَنَّ حُضُورَ السُّلْطَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا.
فَإِنْ أَقَامَهَا الْمُصَلُّونَ عَلَى شَرَائِطِهَا انْعَقَدَتْ وَصَحَّتْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِيهَا عَبْدًا وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ.
وَفِي جَوَازِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ قَوْلَانِ، وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا فِي وَطَنٍ مُجْتَمِعِ الْمَنَازِلِ يَسْكُنُهُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَخْتَصُّ الْجُمُعَةُ بِالْأَمْصَارِ، وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْقُرَى، وَاعْتُبِرَ الْمِصْرُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ سُلْطَانٌ يُقِيمُ الْحُدُودَ.
وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ فَأَسْقَطَهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْهُمْ، وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمْ إذَا سَمِعُوا نِدَاءَهَا مِنْهُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ ﵁ إلَى أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُسَافِرٌ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي إمَامِهِمْ، هَلْ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْعَدَدِ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِأَرْبَعِينَ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعِينَ مَعَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ١ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ٢: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
١ هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الزهري، أحد الفقهاء والمحدثين، والأعلام التابعين بالمدينة، رأى عشرة من الصحابة -رضوان الله عليهم، وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري. ٢ هو أبو عبد الله محمد بن فرقد الشيباني بالولاء، الفقيه الحنفي، أصله من قرية على باب دمشق في وسط الغوطة اسمها حرستا، وقدم أبوه من الشام إلى العراق، وأقام بواسط، فولد له بها محمد المذكور، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، ولقي جماعة من أعلام الأئمة، وحضر مجلس أبي حنيفة سنتين، ثم تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وصنَّف الكتب الكثيرة النادرة، منها الجامع الكبير والجامع الصغير وغيرهما، =
1 / 165