Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَرَبِيعَةُ، وَعَلْقَمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَشُرَيْحٌ الْكِنْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الزَّوْجُ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، لُبَابُهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ، فَحُمِلَ عَلَى الْمُفَسَّرِ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤] فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠]
فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا أَتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا.
الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٧] يَعْنِي النِّسَاءَ، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ: يَعْنِي الزَّوْجَ، مَعْنَاهُ يَبْذُلُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، يُقَالُ: عَفَا بِمَعْنَى بَذَلَ، كَمَا يُقَالُ: عَفَا بِمَعْنَى أَسْقَطَ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ وَحِكْمَتُهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ تَقُولُ هِيَ: لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ بِإِسْقَاطِهِ، وَقَدْ وَجَبَ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ. وَيَقُولُ الزَّوْجُ: أَنَا أَتْرُكُ الْمَالَ لَهَا لِأَنِّي قَدْ نِلْتُ الْحِلَّ وَابْتَذَلْتُهَا بِالطَّلَاقِ فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَأَخْلَصُ مِنْ اللَّائِمَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هِبَةِ مَالٍ لِآخَرَ فَضْلٌ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَهَبُهُ الْمُفْضِلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقٌّ فِي الصَّدَاقِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ نُخْبَتُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: قَالُوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ طَلَّقَ؛ فَلَيْسَ بِيَدِهِ
1 / 294