Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
عَلَيْهِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَطَةِ، وَوَكَّلَ الْحَاضِنِينَ فِي ذَلِكَ إلَى أَمَانَتِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] وَكُلُّ أَمْرٍ مَخُوفٍ وَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْمُكَلَّفَ إلَى أَمَانَتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَتَذَرَّعُ إلَى مَحْظُورٍ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، كَمَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٍ عَلَى فُرُوجِهِنَّ، مَعَ عِظَمِ مَا يَتَرَكَّبُ عَلَى قَوْلِهِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَيَرْتَبِطُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْأَنْسَابِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْذِبْنَ.
وَهَذَا فَنٌّ بَدِيعٌ فَتَأْمُلُوهُ وَاِتَّخِذُوهُ دُسْتُورًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَمِّلُوهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِرَحْمَتِهِ.
[الْآيَة الْمُوفِيَة سِتِّينَ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ]
َّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِنِكَاحٍ عَلَى مُشْرِكَةٍ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ؛ قَالَهُ عُمَرُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إذَا كَانَتْ أَمَةً.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَطْءُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنْ الْمَجُوسِ وَالْعَرَبِ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥].
قَالَ الْقَاضِي: وَدَرَسَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ الْحَسَنِ الشَّاشِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ قَالَ: احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِقَوْلِهِ
1 / 217