Ahkam Quran
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مَعْدُودٌ بِالرَّمْيِ مَعْلُومٌ بِالذَّبْحِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا لَيْسَ مُرَادًا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣].
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَكُونُ كَمَا قُلْتُمْ يَوْمُ النَّحْرِ مُرَادًا فِي الْمَعْدُودَاتِ وَتَكُونُ الْمَعْدُودَاتُ أَرْبَعَةً وَالْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةً؟ وَكَمَا يُعْطِي ذِكْرُ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةً كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَرْبَعَةً.
فَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نَمْنَعُ أَنْ يُسَمَّى بِمَعْدُودٍ وَلَا بِمَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ مَعْلُومٌ، وَكُلَّ مَعْلُومٍ مَعْدُودٌ، لَكِنْ يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِذِكْرِ الْمَعْدُودَاتِ هَاهُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا قَدَّمْنَا قَدْ اسْتَحَقَّ أَوَّلُهُ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَمِنْهُ تَكُونُ الْإِفَاضَةُ إلَى مِنًى؛ فَصَارَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْإِفَاضَةِ، وَبَعْدَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ».
وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مَعْدُودًا مِنْهَا لَاقْتَضَى مُطْلَقُ هَذَا الْقَوْلِ لِمَنْ نَفَرَ فِي يَوْمِ ثَانِي النَّحْرِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْدُودٍ فِيهَا لَا قُرْآنًا وَلَا سُنَّةً، وَهَذَا مُنْتَهَى بَدِيعٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدْفَعُهُ؛ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الذِّكْرِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُوَ الْحَاجُّ، خُوطِبَ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْحَاجِّ فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هُوَ أَيْضًا خِطَابٌ لِلْحَاجِّ بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّمْيِ؟ فَنَقُولُ: أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَالْمَشَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ﵃ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّكْبِيرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ فَيُكَبِّرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ، كَانَ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرًا ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
1 / 199