Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بِكْرٌ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إنَّمَا سُمِّيَ الْفِعْلُ الثَّانِي اعْتِدَاءً، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِحَقٍّ، حَمْلًا لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ.
قَالُوا: وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]. وَاَلَّذِي أَقُولُ فِيهِ: إنَّ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَاءِ فِي اللُّغَةِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَلِّقُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ فَالْأَوَّلُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالثَّانِي مَأْمُورٌ بِهِ، وَتَعَلُّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ وَلَا يَقْلِبُ الْمَعَانِيَ؛ بَلْ إنَّهُ يُكْسِبُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ وَصْفَ الطَّاعَةِ وَالْحُسْنِ، وَيُكْسِبُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ النَّهْيُ وَصْفَ الْمَعْصِيَةِ وَالْقُبْحِ؛ وَكِلَا الْفِعْلَيْنِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَكِلَا الْفِعْلَيْنِ يَسُوءُ الْوَاقِعُ بِهِ: وَأَحَدُهُمَا حَقٌّ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: تَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ صَحِيحٌ وَعُمُومٌ صَرِيحٌ؛ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ وَلَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ».
الثَّانِي: أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِكُلِّ مَا قَتَلَ، إلَّا الْخَمْرَ وَآلَةَ اللِّوَاطِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
الثَّالِثُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُقْتَلُ بِكُلِّ مَا قَتَلَ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ وَصِفَتَيْنِ: أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَالْمَعْصِيَةُ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطُ.
1 / 161