Ahkam Quran
أحكام القرآن
Investigator
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
الْبَقَرَةِ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَصْفِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَصِفَتَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ وَنَعْتَهُمْ وَتَقْرِيبَ أَمْرِهِمْ إلَى قُلُوبِنَا بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ بِاَلَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وَبِالْبَرْقِ الَّذِي يُضِيءُ فِي الظُّلُمَاتِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءٍ وَلَا ثَبَاتٍ وَجَعَلَ ذَلِكَ مَثَلًا لِإِظْهَارِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَهُمْ ثَابِتُونَ عَلَيْهِ هُوَ الْكُفْرُ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالْمَطَرِ اللَّذَيْنِ يَعْرِضُ فِي خِلَالِهِمَا بَرْقٌ يُضِيءُ لَهُمْ ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَبْقَوْنَ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ بَعْد انْقِضَاءِ ذِكْرِ هَؤُلَاءِ بِإِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ بِمَا لَا يُمْكِنْ أحد دَفْعُهُ مِنْ بَسْطِهِ الْأَرْضَ وَجَعْلِهَا قَرَارًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَجَعْلِ مَعَايِشِهِمْ وَسَائِرِ مَنَافِعِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ مِنْهَا وَإِقَامَتِهَا عَلَى غَيْرِ سَنَدٍ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُون لَهَا نِهَايَةٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حُدُوثِهَا وَأَنَّ مُمْسِكَهَا وَمُقِيمَهَا كَذَلِكَ هُوَ اللَّهُ خَالِقُهَا وَخَالِقكُمْ الْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ فِيهَا مِنْ أَقْوَاتِكُمْ وَسَائِرِ مَا أَخْرَجَ مِنْ ثِمَارِهَا لَكُمْ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إلَّا الْقَادِرُ الَّذِي لَا يعجزه ولا يشبهه شيء فحثهم عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَائِلِهِ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى نِعَمِهِ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى نُبُوَّةِ النَّبِيِّ ﵇ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ عَجْزِهِمْ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَدَعَاهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ الْمُنْعِمِ عَلَيْنَا بِهَذِهِ النِّعَمِ فَقَالَ [فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَا تَدْعُونَهُ آلِهَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ اللَّه هُوَ الْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِهِ دُونَهَا وَهُوَ الْخَالِق لَهَا وَقِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ [وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] إنَّكُمْ تَعْلَمُونَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْعَقْلِ مَا يُمْكِنُكُمْ بِهِ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَوَجَبَ تَكْلِيفُكُمْ ذَلِكَ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعَقْلِ إبَاحَةُ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعَ إزَاحَةِ الْعِلَّةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ فَلَمَّا قَرَّرَ جَمِيعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِدَلَائِلِهِ الدَّالَّةِ عليه عقد عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ بِقَوْلِهِ [فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ]
ثُمَّ عَقَّبَ بِذِكْرِ مَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ] إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵀ وقد تضمنت هذه الآيات مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ الْأَمْرَ بِاسْتِعْمَالِ حُجَجِ الْعُقُولِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِدَلَائِلِهَا وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِمَذْهَبِ مَنْ نَفَى الِاسْتِدْلَالَ بِدَلَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقْتَصَرَ عَلَى الْخَبَرِ بزعمه في معرفة الله والعلم بصدق رسول الله ﷺ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ فِيمَا دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ
1 / 35