321

Aḥkām al-Qurʾān

أحكام القرآن

Investigator

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
قَتْلِ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ جانيا قوله [وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا] وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَمْنًا مِنْ خَوْفِ الْقَتْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادُ مَنْ دَخَلَهُ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ أَنَّهُ يَأْمَنُ بِدُخُولِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ [وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا] كل ذلك دل عَلَى أَنَّ اللَّاجِئَ إلَى الْحَرَمِ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقَتْلِ يَأْمَنُ بِهِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْقَتْلُ بِمَصِيرِهِ إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ [وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ] إذَا كَانَ نَازِلًا مَعَ أَوَّلِ الْخِطَابِ عِنْدَ قوله [وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ] فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَغَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ
فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ الْجَمِيعُ مَذْكُورًا فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَسَقُ التِّلَاوَةِ وَنِظَامُ التَّنْزِيلِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ إثْبَاتُ تَارِيخِ الْآيَتَيْنِ وَتَرَاخِي نُزُولِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى إلَّا بالنقل الصحيح ولا يمكن أحد دَعْوَى نَقْلٍ صَحِيحٍ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ [وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ] وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ [فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَأْوِيلًا مِنْهُ وَرَأْيًا لأن قوله [فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] لَا مَحَالَةَ نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ لِإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِمَا بأن يكون قوله [فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ] مُرَتَّبًا عَلَى قَوْلِهِ [وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ] فَيَصِيرُ قَوْلُهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلَّا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ يوم فتح مكة فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
فَثَبَتَ بِذَلِكَ حَظْرُ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ إلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا أُحِلَّ لِي الْقِتَالُ بِهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَئِذٍ حِينَ قَتَلَ رَجْلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٌ ثُمَّ قَالَ (إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَرَجُلٌ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ وَرَجُلٌ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ)
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى

1 / 323