Ahkam Quran
أحكام القرآن
Investigator
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
فِي الْعَقْلِ أَنْ لَا يُوجِبَ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ حَدًّا رَأْسًا وَيَكِلَ أَمْرَهُمْ إلَى عقوبات جَازَ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهَا فَيُوجِبَ فِي بَعْضِهَا أغلظ ما يُوجِبُ فِي بَعْضٍ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ وَإِنَّمَا طريق إثباتها التوقيف أو الاتفاق وما ذكر اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِقْرَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ لَنَا بِقِتَالِهِمْ أَصْلٌ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا مِنْ فِعْلِ الْإِمَامِ وَمَنْ قَامَ بِأُمُورِ الشَّرِيعَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى مَا يَفْعَلُهُ هُوَ تَعَالَى مِنْ الْآلَامِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَلَمَّا جَازَ أَنْ لَا يُعَاقِبَ الْمُنَافِقَ فِي الدُّنْيَا بِالْآلَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ بَلْ يَفْعَلُ بِهِ أَضْدَادَ ذَلِكَ وَيَكُونَ عِقَابُهُ الْمُسْتَحِقَّ بِكُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ مُؤَجَّلًا إلَى الْآخِرَةِ جَازَ أَنْ لَا يَتَعَبَّدَنَا بِقَتْلِهِ فِي الدُّنْيَا وَتَعْجِيلِ عُقُوبَةِ كفره ونفاقه وقد غير النَّبِيُّ ﵇ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَا بَعَثَهُ الله تعالى ثلاث عشر سَنَةً يَدْعُو الْمُشْرِكِينَ إلَى اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ غَيْرَ مُتَعَبِّدٍ بِقِتَالِهِمْ بَلْ كَانَ مَأْمُورًا بِدُعَائِهِمْ في ذلك بلين الْقَوْلِ وَأَلْطَفِهِ فَقَالَ تَعَالَى [ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] وقال [وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا] وَقَالَ [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ ثُمَّ فَرَضَ الْقِتَالَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ كِلَا الْحَالَيْنِ بِمَا تَعَبَّدَ بِهِ فَجَازَ مِنْ أَصْلِ مَا وَصَفْنَا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ خَاصًّا فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ المجاهرون بالكفر دون ما يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ الْمُنَافِقُ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ غَيْرِهِ
وقَوْله تَعَالَى [الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا] يعنى والله أعلم قرارا وَالْإِطْلَاقُ لَا يَتَنَاوَلُهَا وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ مُقَيَّدًا كقوله تعالى [وَالْجِبالَ أَوْتادًا] وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْأَوْتَادِ لَا يُفِيدُ الْجِبَالَ وَقَوْلُهُ [الشَّمْسَ سِراجًا] وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ فَقَعَدَ فِي الشَّمْسِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَيْسَ فِي العادة إطلاق هذا الإسم للأرض والشمس هذا كَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْجَاحِدُ لَهُ كَافِرًا وَسَمَّى الزَّارِعَ كَافِرًا وَالشَّاكِّ السِّلَاحَ كَافِرًا وَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا هَذَا الِاسْمُ فِي الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ كَثِيرَةٌ وَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَمَا
1 / 32