159

Aḥkām al-Qurʾān

أحكام القرآن

Editor

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
الشِّبَعِ حَتَّى يَكُونَ لِاخْتِصَاصِهِ الْمَيْتَةَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَعَقْدِهِ الْإِبَاحَةَ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ فَائِدَةٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مِنْهَا إلَّا مِقْدَارَ زَوَالِ خَوْفِ الضَّرُورَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارٌ مَا إذَا أَكَلَهُ أَمْسَكَ رَمَقَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَيْتَةَ ثُمَّ إذَا أَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَزَالَ خَوْفُ التَّلَفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا زَالَ مَعَهُ خَوْفُ الضَّرَرِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهَا إذْ لَيْسَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِأَوْلَى بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ بَعْدَ زَوَالِ الضَّرُورَةِ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ
وَقَدْ رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عن حسان بن عطية الميثى أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ (إنَّا نَكُونُ بِالْأَرْضِ تُصِيبُنَا الْمَخْمَصَةُ) فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ قَالَ (مَتَى مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَجِدُوا بِهَا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا)
فَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ الْمَيْتَةَ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدُوا صَبُوحًا وَهُوَ شُرْبُ الْغَدَاءِ أو عبوقا وَهُوَ شُرْبُ الْعَشَاءِ أَوْ يَجِدُوا بَقْلًا يَأْكُلُونَهُ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً أَوْ بَقْلًا فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الضَّرُورَةَ هِيَ الْمُبِيحَةُ لِلْمَيْتَةِ دُونَ حَالِ الْمُضْطَرِّ فِي كَوْنِهِ مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا إذ لم يفرق النبي ﷺ للسائل بين حائل الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي فِي إبَاحَتِهِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي أَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ مَقْصُورَةٌ عَلَى حَالِ خَوْفِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ هَلْ فِي الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ] الْآيَةَ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ] إنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى حِينَ أَنْكَرَتْ نَسْخَ الْقِبْلَةِ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ إنما هو طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ لَا فِي التوجه إلى المشرق والمغرب إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اتِّبَاعُ أَمْرِهِ وَإِنَّ طَاعَةَ الله الآن في التوجه إلى الكعبة إذ كَانَ التَّوَجُّهُ إلَى غَيْرِهَا مَنْسُوخًا
وقَوْله تَعَالَى [وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] قِيلَ إنَّ فِيهِ حَذْفًا وَمَعْنَاهُ إنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَقِيلَ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ كَقَوْلِ الخنساء:
ترتع ما رتعت حتى إذا أدركت ... فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ
يَعْنِي مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً وقوله تعالى [وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ] يَعْنِي أَنَّ الْبَارَّ مَنْ آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْمَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى [لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ] وَقِيلَ إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْإِيتَاءِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَسَخِّطًا عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَلَى حُبِّ

1 / 161