رأى المهر
1
فلاحا منهمكا في زرع حقل ببذور الشوفان، فثار ثائره، وقال في نفسه متهكما: يا لها من غباوة لا تحتمل! ألم نسمع من آبائنا وأجدادنا أن الإنسان هو سيد كل الحيوانات بلا منازع؛ لأن الخالق قد حباه عقلا أسمى من عقول بقية الخلائق، فما بالي أرى هذا الإنسان أسخف عقلا، وأقل تدبيرا من أحط البهائم؟! تأمل كيف سوغ له هذا العقل السامي أن يبعثر في الأرض كل ما معه من الشوفان اللذيذ الذي يمكن أن يشبع حصانين وأكثر، أو عددا كبيرا من الدجاج، فلو كان له عقل - كما يقولون - وأعطاني هذا الشوفان، لكنت أريه كيف يصح أن ينتفع به؟ أهذا ما يسمونه عقلا؟ حقا إنه جنون، جنون مطبق، بل أراه تبذيرا يستحق مرتكبه أقسى عقاب.
وكر الليل والنهار حتى أقبل الخريف والحصاد،
2
فأعطت الحصيدة
3
من حب الشوفان القليل الذي «بعثره» الفلاح في الحقل، بشوفان كثير، كفى المهر وأهله وإخوانه وجميع أهل المزرعة وطيورها كل فصل الشتاء الطويل.
تعليم الأمراء
كان للأسد، ملك الغابة، ابن وحيد، فلما طوى السنة الأولى من عمره السعيد، رأى والده أن الوقت قد حان للبدء في تثقيفه تثقيفا يليق بولي عهده، وفكر المستشارون أولا في أن يعهدوا بهذه المهمة إلى الخلد لما له من الشهرة الذائعة في حب النظام والترتيب، والتأني والتريث في كل أعماله وحركاته، حتى قيل عنه: إنه لا يأكل حبة حنطة ما لم يتحقق نظافتها، ثم عدلوا عنه لما تذكروا أنه لا يستطيع أن يدرك إلا ما يقع تحت أنفه، وأن لا قدرة له على إدراك ما هو بعيد عنه، خصوصا لأن مملكة أسامة
Unknown page