وكان يشد على هذه الكلمات: حصاني، وسيفي، ورمحي، والتنين. فرسم بذلك الصورة الواضحة التي أراد طبعها في مخيلة هللون. واقترب من العجوز وصلى على رأسها متمنيا لها خلاص نفسها.
وجاء حفيدها طانيوس شقيق كاترين يسأل جدته عن موضوع الوعظة فأجابته: والو! خمنتني خرفت. من من القديسين راعي الحصان وحامل سيف، وناقل رمح وقاتل التنين غير مار جرجس! يقبرني حصانه، وسيفه ورمحه. نسيت يا ابني أن صورته على الليرة الإنكليزية، خذ تفرج عليه وحطها بعبك.
وهم طانيوس بإخبارها أن مار جرجسها هو عنتر عبس، فنكزه خوري الرعية الذي حضر تمثيل الرواية المؤلمة فأمسك عن الكلام. وقال الخوري وهو يلملم أذيال جبته استعدادا للخروج: إيمانك أحياك يا ست هللون.
فأجابته متهللة: الحمد لله، قبل الرب طلبتي فما مات قبلما سمعت كلام الله من بوز بونا اسطفان.
فقال الخوري: حظك كبير. ثم خرج وهو يتمتم: الكنيسة القريبة لا تشفي.
لا يسلم الشرف
قالت له جارته أم جميل، وهو عائد إلى بيته: سعيد! كنت سهران؟
هاجته لهجتها. تذكر الخزية التي أخذ فيها زوجته مساء أمس، وخال أن أم جميل تعرض به. وإلا فما معنى قولها: كنت سهران! ومن لا يسهر؟ ما هذي أول مرة أسهر فيها. أم جميل عارفة إذن بخيانة زوجتي، إن شرفي الصريع يصيح بي: خذ بثأري. انتقم لي. - لعينيك أيها الشرف الرفيع، لا أكون سعيد المهيار إن لم يرق على جوانبك الدم، قال هذا وهو يلج باب بيته، ثم هرع إلى حيث ترقد زوجته، ويده على مسدسه. •••
سعيد في العقد الرابع من عمره. رخو، عظيم البطن، تخال أنه حامل. وجهه منتفخ كالرغيف السخن، وفي وسطه أنف كالفستقة عششت حواليه طفيليات مزرقة تكاد تطر: مربوع القامة، زاره الشيب زيارة ضيف محتشم، ثم هاجمه بطبل وزمر، لسنة خلت، فحط رحاله في صدغيه وحاصر هناك. إذا تطلعت إلى عينيه رأيت البؤبؤ الأسود يرقص رقصا موقعا في تلك اللجة الحمراء فتخال أنك أمام حبة زعرور مسوسة.
كثيرا ما كان يتغنى سعيد بحلاوة فمه ويشبهه بالخاتم، ولكنه يقطع الحديث بغتة حين يتذكر حاجبيه العريضين المتصافحين بحرارة عند سفح جبهته الضيقة. أما فكه الأعلى فنافر يقفز بغنج إلى الأمام متنكرا بعض الشيء تحت شاربين هزيلين.
Unknown page