فعقدنا الاجتماعات وطيرنا برقيات الاحتجاج، فلجأ الرهبان إلى تهدئة الخواطر، وعللوا أهالي القرى باقتسام المياه، ورأى الجميع: الصلح سيد الأحكام. وعندما كان فريق من وجهاء قرى ساحل بلاد جبيل يشدون العزائم إلى دير ميفوق ليقتسموا والرهبان ثياب العوام ويقترعوا على لباسهم، وعندما كان رهبان ميفوق يشربون والمدعوين على جلد الدب كنت أنا في طريقي إلى بيروت فبتدين.
لم يكن بقي إلا بضعة أيام حتى يمسي المرسوم نافذا، فأقمت الدعوى في مجلس شورى الدولة وهرولت إلى بتدين، فسبقتني إليها الصحف التي نشرت خبر الدعوى المقامة مني على رئيس الرهبانية العام والحكومة اللبنانية.
وعلى الغداء قال لي فخامة الشيخ بشارة الخوري: تقيم الدعوى علينا ونغديك عندنا!
فأجبته بما لي عليه من دالة: عندك عندي، وما أقمت الدعوى بدون إخبار إلا لأن (الدق محاشر)، وإذا لم أفعل ذلك أخاف أن (تروح علينا) ويعدي السبت، فأولاد الحلال كثار. قد فعلت لأقطع الطريق عليهم وأترك لفخامتك مجال إعادة النظر، فالرهبان يعملون بقول المثل اللبناني: من بعد حماري لا ينبت العشب، وقصتهم مشهورة.
فقال: وما هي.
قلت: في التقليد عندنا يروون حكاية هي أن راهبا انقطعت تكة سرواله، فالتفت في ذلك الليل البهيم فوقعت عينه على خيط يربط الأرض بالسماء فتناول السكين وقطعه ليربط به سرواله، فابتسم الشيخ، جزاه الله عنا خيرا وأرسل نكتته الناعمة، ومن طبعه أن يرسلها ولا يجعلك تحس أنها داوية: اشكر ربك. هذا ما نتمناه.
وهكذا خنق الشيخ ذلك المرسوم في المهد، وأعطي الشعب حقه، ولكن جرة الرهبان لم تطلع من البير فاضية، قبضوا ثمن المياه خمسين ألف ليرة.
وخططت السبل بعد خمس سنوات، فأعدت الكرة إلى بتدين وقلت لفخامة الشيخ: يقولون عندنا: إن تخطيط السبل دعاية انتخابية.
فقال: لا. لقد أرصدنا مبلغ ثلاثماية ألف ليرة. وستشربون إن شاء الله.
قلت: وندعو لفخامتكم بطول العمر.
Unknown page