105

Afkar Wa Rijal

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Genres

ومنذ خطيئة آدم لحقت بالناس اللعنة وكتب عليهم عذاب جهنم. وليس من شك في أن هذه اللعنة نوع من العقوبة للإنسان على ادعاء الإنسان الذي يتمثل في عصيان آدم أولا. وتذكرون أنه عصى أمر ربه الذي وجهه إليه صريحا بألا يأكل من ثمرة شجرة المعرفة. ومن الحق أن آدم لم يستطع أن يتحكم في نفسه، ما دام الله قد كتب عليه من قبل الغرور وهو الذي حرك أسنان آدم وهو يقرض التفاحة، وربما بدا أن الله في هذا لم يكن عادلا ولو إلى درجة بسيطة. ولكني أقول مرة أخرى: إننا - من وجهة نظر كالفن - نقحم في تعسف شديد في التفسير رأينا في العدالة المبني على العقل البشري الضيق. إن الله «فوق» المنطق. والواقع أن الله هو الذي خلق المنطق كما خلق التفاحة.

ثم أرسل الله يسوع إلى الأرض لكي يأتي للقلة من السعداء بالخلاص عن طريق الاختيار. وأقول مرة أخرى إننا حينما نقول إن الله قد لان وقرر أن يعطي بعض بني آدم فرصة الخلاص إنما نتأثر إلى حد كبير بصفات البشر - أو الديدان. إنما كتب الله النعمة وما يترتب عليها من خلاص لقلة صغيرة من الناس بدافع من كمال ألوهيته وعن طريق يسوع. ولا يعلم إلا الله وحده من تكون هذه القلة، وليس من المستبعد أن يكون أكثرهم - أو كلهم - من الكالفنيين، وهم «الصفوة المختارة».

إن قدرية كالفن أقوى أثرا وأشد صرامة من قدرية القديس أوغسطين. وقد رأينا أن أسقف هيبو قد حاول كثيرا أن يعطي الناس حرية الإرادة، ويحتفظ لله بالقدر. والظاهر أن كالفن لم يحس الحاجة إلى مثل هذا التنازل. ومع ذلك فإن المنطق لا يلين: إذا لم تكن لي أفكار أو رغبات خاصة، سوى ما كتب الله لي، فأنا إذن معذور عندما آخذ بالأفكار والرغبات كما ترد في حياتي. ومن المؤكد أن تلك الحالة من التوتر الخلقي التي أشير إليها ب «مقاومة الإغراء» ليست واقعية. إن مقاومتي لما أريد أن أفعل مقاومة لله. فإن كنت أريد الفاحشة، فإن الله هو الذي أراد لي ذلك. وإذا كان لي خلاص، فإنما يرجع كله إلى نعمة الله. وليس لذلك الوهم الذي أسميه الضمير شأن بمسير الأمور، وإذن فمن حقي أن أرتكب الآثام بقلب مطمئن.

ولا أحسب القارئ بحاجة إلى التذكير بأن كالفن لم يقف هذا الموقف. والكالفني في بعض المواضع يراوغ المنطق، ويقيم الضمير المسيحي الخلقي على أشده. ومن العدالة لكالفن أن نقول إن هذه النقطة هي بعينها أساسا النقطة التي يفر عندها كل كبار المفكرين المسيحيين من الانعدام الخلقي الذي يرجع إلى القدرية الكاملة، إن قولك: «إنني أعلم أن كل ما يمكن أن أفعله إنما أفعله لأن الله يريد ذلك.» هو في الواقع زعم منك بأنك تدرك ما يريد الله، وإنك مساو لله، ولست مجرد آلة عاجزة. إن الثقة بالخلاص هي أكبر آثام الكبرياء، وهي النقيض المباشر للتواضع الذي هو من أسس المسيحية المتينة. لقد كان المسيحيون العظماء يتصفون بهذا التواضع - بل لقد كان كالفن نفسه يتصف به. ولكنهم لم يكونوا متواضعين بالمعنى الشعبي للتواضع، وهو المعنى الذي يسوي بين التواضع والضعف، وهو ميل إلى الخضوع. كما كانوا في كثير من الأحيان ذوي عزم وسلطان.

وإذن فليس بوسعي أن أكون على ثقة بأن ما أريد فعله هو ما يريد فعله رجل اختاره الله ليكون من الصفوة، «وربما كان» ما أريد أن أفعله هو ما يريد أن يفعله رجل اختاره الله ليكون من الملعونين. وأرجو أن يلاحظ القارئ أنني حريص جد الحرص في لغتي، وربما قال أتباع كالفن المتأخرون المهملون إنه ليس بوسعي أن أثق بأن ما أريد أن أفعله هو ما يريدني الله أن أفعل - غير أن ذلك يعني أنني أستطيع أن أقاوم إرادة الله، وفي ذلك نقض للقدرية. ولمزيد من الإيضاح أقول: إني لا أستطيع أن «أقاوم» إرادة الله، ولكني لا أستطيع قط - حتى إن كنت من الصفوة - أن «أعرف كل المعرفة» إرادة الله. والواقع أنني لو اعتقدت بأني أعرف إرادة الله فإنما يدل ذلك على أني ممن لحقتهم لعنة الله. ولكن قل من الكالفنيين المتواضعين من كان لا يتناقض هنا. والكالفنية - «على المستوى العام»، بين العامة من أتباعها - لم تولد التواضع بصورة قاطعة.

إن الشاعر الاسكتلندي روبرت بيرنز في «دعاء القديس ويلي» يجري على لسان الكالفني الأكبر ما يلي:

يا إلهي، يا من تسكن في السماء،

يا من أرادت مشيئتك

أن ترسل إلى النعيم واحدا،

وأن ترسل إلى الجحيم عشرات.

Unknown page