عام 1836م، وكتاب «المشكلتان الأساسيتان في الأخلاق»
Die beide Grund probleme der Ethik
في عام 1841م، وكذلك كتاب «تكملات وإضافات
» عام 1851م.
على أن شوبنهور لم يكن قد اكتفى بالجزء الذي تحدثنا عنه من كتابه الرئيسي «العالم إرادة وتمثلا»؛ ففي عام 1844م؛ أي بعد خمسة وعشرين عاما من ظهور الطبعة الأولى، أخرجه في طبعة ثانية تتألف من مجلدين؛ كان المجلد الأول منهما مماثلا تقريبا للطبعة الأولى. أما المجلد الثاني فكان يتألف من خمسين فصلا تتضمن مناقشات تدور حول الأفكار الرئيسية التي تضمنها المجلد الأول. ولقد كان لهذا المجلد الثاني طابع موسوعي جامع، يشهد بمدى نضوج تفكير شوبنهور وتعمقه؛ بحيث أصبح المجلدان معا يكونان عملا من أعظم الأعمال الفلسفية على الإطلاق. (3) الأفكار الرئيسية في كتاب «العالم إرادة وتمثلا»
قلنا: أن الإلمام بكتاب «الأصل الرباعي لمبدأ السبب الكافي» ضروري من أجل فهم كتاب شوبنهور الرئيسي الذي هو موضوعنا الآن؛ إذ إن شوبنهور كثيرا ما يشير إليه في كتابه الكبير، ولا سيما في المجلد الأول، حيث ذكر صراحة أن هذا المجلد لا يفهم إلا إذا اتخذ الكتاب الآخر مقدمة له؛ ففي كتاب «الأصل الرباعي» هذا يناقش شوبنهور نظرية المعرفة، ولا سيما مشكلتها الرئيسية، مشكلة الإدراك الحسي، وهو يرى أننا عندما ندرك شيئا بحواسنا، لا تنقل إلينا الحواس سوى مواد بسيطة، لا تكفي لكي نعرف شيئا بالمعنى الصحيح، وإنما تقوم ملكة الإدراك لدينا - وهي ملكة ذهنية - بتكملة ما يرد إلينا من الحواس، وتكملتها هذه أساسية، حتى إننا نستطيع أن نقول إن إدراكنا «عقلي» لا «حسي»، وإن ذهننا هو الذي يكون صورة العالم الخارجي بما فيها من تنوع وثراء؛ ففيم تنحصر فاعلية هذا الذهن؟ وما هي العناصر التي يأتي بها من ذاته لكي يصبغ العالم بصورته الخاصة؟ لقد سبق أن قال الفيلسوف الألماني «كانت»: إن هذه العناصر هي «المقولات» الاثنتا عشرة، التي لا يعنينا هنا أن نعددها كلها. ولكن شوبنهور يختبر رأي «كانت» هذا بدقة، فيستبعد إحدى عشرة مقولة من هذه؛ ليستبقي واحدة فقط يرى أنها هي الأساسية؛ تلك هي مقولة العلية، وهو يضيف إليها صورتي المكان والزمان، وهما بدورهما ذاتيتان لا وجود لهما خارج الذهن؛ أي إنهما - كالعلية - وظيفتان باطنتان لذهننا، تصاغ فيهما كل تجربة ممكنة يدركها الإنسان؛ فكل ما حولنا، وما يخطر ببالنا وما يتراءى لنا بطريق مباشر أو غير مباشر، وهو إما علة أو معلول، وهو يحتل مكانا ويمر في زمان، وعن طريق هذه الصور الثلاث ينظم ذهننا العالم الخارجي والعلاقات بين الأشياء فيه، وهذه المعاني الثلاثة ليست مستمدة من التجربة. بل إن التجربة لا تكون ممكنة إلا إذا صيغت فيها، فتلك الصور الثلاثة إذن «أولية
Apriori ».
ويلخص شوبنهور تلك الصفة التي تكون الأشياء بموجبها معتمدة على الذهن، ومرتبطة بعضها ببعض في الإطار الذهني، بقوله: إن الأشياء تخضع لمبدأ السبب الكافي، ولهذا المبدأ أربعة مظاهر (هي التي تكون «أصله الرباعي»)، أولها مظهر التغير؛ فهو يتخذ أولا مظهر قانون العلية الذي يتحكم في تغير الظواهر ويربطها بعلاقة المعلول، هو يتخذ ثانيا مظهرا منطقيا مجردا، تكون فيه المقدمة المنطقية علة أو أساسا للنتيجة، وله مظهر ثالث هو الوجود في المكان والزمان، كما هي الحال في قضايا الهندسة التي تؤدي فيها إحدى العلاقات إلى علاقة أخرى بالضرورة. وأخيرا يتخذ مظهرا نفسيا أو أخلاقيا في الإنسان، حيث يؤدي الباعث المعين إلى ظهور فعل معين. وهكذا فإن مبدأ السبب الكافي يتناول الصورة التي «نتمثل» العالم عليها، وهو يتعلق «بشكل» العالم كما يتبدى لنا؛ أي بالطابع الذي يضفيه ذهننا عليه. ولكن لا بد من أن يكون هناك - من وراء هذا الشكل أو الطابع الذي يظهر عليه العالم لذهننا - كيان باطن هو الذي أطلق عليه «كانت» اسم «الشيء في ذاته»، وهو الذي يمكننا أن نعده قلب الوجود الحقيقي، تمييزا له من المظهر الذي يتبدى عليه هذا الوجود لإدراكنا.
وإذا كنا قد توسعنا قليلا في شرح آراء شوبنهور في هذا الكتاب؛ فذلك لأن هذه الآراء ترتبط مباشرة بأفكاره الرئيسية في كتاب «العالم إرادة وتمثلا»، وتمهد الطريق لمذهبه الكامل الذي يفترضها مقدما.
فهو يبدأ كتابه بالحديث عن العالم من حيث هو مظهر؛ أعني العالم من حيث هو موضوع لإدراكنا عالم الأشياء وعالم الطبيعة. هذا العالم في أساسه تمثل
Unknown page