فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه (1) فإن أورد الرواية نظر ! فإن كان ممن لا يعرف معنى الحديث لم يجز لانه لا يؤمن أن يغير معنى الحديث ، وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظر ! فإن كان ذلك في خبر محتمل لم يجز أن يروى بالمعنى ، لانه ربما نقله بلفظ لا يؤدى مراد الرسول فلا يجوز أن يتصرف فيه ، إن كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان : من أصحابنا من قال : لا يجوز ، لانه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير الصلاة ، والثانى أنه يجوز . وهو الاظهر لانه يؤدى معناه ولهذا روى عن النبي أنه قال : إذا أصبت المعنى فلا بأس . وهذا الحديث قد رواه ابن منده في معرفة الصحابة والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثى قال : قلت يا رسول الله ، إنى أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمعه منك ، يزيد حرفا أو ينقص حرفا ، فقال : " إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس " (2) فذكر للحسن فقال : لولا هذا ما حدثنا . وقد احتج من منع الرواية بالمعنى بالنص والمعقول ، أما النص فقوله عليه السلام " رحم الله أمرا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع " (3) قالوا : وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع ، ونقل الفقيه إلى من هو
---
(1) من العجيب أن هذا الحديث نفسه قد جاءت روايته بصيغ كثيرة ! وكل رواية تختلف من الاخرى في اللفظ والمعنى ، ولولا خشية الاطالة لاوردناها كلها فليرجع إليها في مظانها . وقد قال ابن الجوزى بعد أن أورد قول الرسول " نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها " : وتأدية الحديث كما يسمع لا يكاد يحصل إلا من الكتابة لان الحفظ خوان . وقد كان أحمد بن حنبل رضى الله عنه يحدث بالحديث فيقال له : أمله علينا : فيقول : لا بل من الكتاب . وقد قال على بن المدينى أمرنى أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من الكتاب (ص 221 من تلبيس إبليس) . (2) ص 50 ج 3 فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - وهذا الحديث يناقض ولا ريب حديث " رحم الله امرأ سمع مقالتي . . " ولكن لا بد لكل فئة من أن تؤيد رأيها بحديث . (3) من وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه ، وفي رواية " رب مبلغ أوعى من سامع " . رواهما البخاري وغيره ، وفي معنى هذا الحديث ما رواه الترمذي والضياء من حديث زيد بن ثابت مرفوعا نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه - وفي معناه حديث " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع . رواه أحمد والترمذي وابن حبان . (*)
--- [ 79 ]
Page 78