2
إن هذين المقطعين يوحيان للناقد بأن مفهوم «اليد الخفية» الفعلي عند آدم سميث يبتعد كثيرا عن الفكرة الشائعة المتخذة عنه؛ فالأول يذكر أن النهاية السعيدة للمصلحة الشخصية تعزى إلى «العناية الإلهية»، والثاني يتحدث عنها كملاحظة جانبية في نقاش يتعلق بتجارة التصدير. (3) العواقب غير المقصودة للفعل البشري
في الحقيقة، إن عين الناقد لا تبصر كل شيء؛ فمفهوم اليد الخفية، بحسب الفهم الشائع، ينتشر في كافة أعمال سميث، ومن الممكن ملاحظة ذلك حتى وإن لم توجد هاتان الإشارتان السالف ذكرهما. فهذا المصطلح - اليد الخفية - يعد اختصارا ملائما جدا لفكرة سميث التي يرى فيها أن أفعال البشر ذات عواقب غير مقصودة، وأنه مع اتباع بعض القواعد الرئيسية كمبادئ العدل، فإن أفعال الأفراد في خدمة مصالحهم الشخصية يمكن أن تؤدي دون قصد إلى خلق نظام اجتماعي شامل نافع ويعمل بكفاءة.
عندما أشتري معطفا من الصوف (وأستعين هنا بالمثال الذي أورده سميث)،
3
فإنني أفعل ذلك لمنفعتي الشخصية، ولا أكاد أحمل أي اهتمام بالمستوى المعيشي لصاحب المتجر الذي اشتريته منه، ناهيك عن الاهتمام بالحائك والراعي، ومن يجز الصوف ويهيئه ويصبغه ويغزله، ويصنع الأدوات اللازمة للتعامل مع الصوف ويحمله وغيرهم، وأولئك هم الذين لم ألتق بأي منهم على الأرجح، كما أن أيا منهم لم يسهم في صناعة المعطف لإرضائي؛ حيث كانت أذهانهم منشغلة على الأرجح بكسب المال لإطعام عائلاتهم.
ومع ذلك، فإن شرائي للمعطف يحقق لهم المنفعة دون أدنى شك؛ لأن جزءا صغيرا مما دفعته يذهب إلى كل واحد منهم بصورة تلقائية. كذلك، فإن المجهود الذي يبذله كل فرد منهم في صناعة المعطف يمنحني كساء أفضل وأرخص مما لو صنعته بنفسي.
ربما يبدو من الإعجاز التمكن من تنسيق عمل آلاف الأشخاص في دول مختلفة على هذا النحو التلقائي دون أي حاجة إلى سلطة مرشدة، ودون أي توجيه إلا من المصلحة الشخصية لكل من ينخرط في هذا العمل. لكن سميث يشرح ذلك ببساطة تامة؛ حيث يرى أن تبادل المنفعة الذي يحدث طواعية لا يتم إلا عندما يتوقع كلا الطرفين بأنه سينتفع من الصفقة؛ فكل منهما سيحصل على شيء يرغب فيه مقابل شيء لا يرغب فيه كثيرا، كأن يكون المال مقابل العمل، أو السلع في مقابل المال. وعندما يتاجر ملايين الناس بعضهم مع بعض بهذه الطريقة، فإن هذه المنفعة تنتشر انتشارا واسعا وسريعا في أرجاء المجتمع بأكمله.
وفي غضون ذلك، تبين لنا الأسعار مقدار استعداد الناس للتضحية بشيء ما في سبيل تبادله مقابل سلع وخدمات معينة؛ فهم بذلك يشيرون لنا نحو الجهة التي ينبغي أن يوجه إليها العمل ورأس المال من أجل جني أعلى المردودات. وهكذا ينتهي بنا المطاف - على نحو تلقائي وغير مقصود بالمرة - إلى تلبية أهم رغبات المجتمع واحتياجاته. (4) منظومة ذاتية البقاء
يبدو أن سميث كانت لديه معرفة طفيفة بالطبيعة التطورية لهذه المنظومة الاجتماعية؛ فيرى أنها تظل باقية لأنها ناجحة في أداء عملها، وفي كتابه «نظرية المشاعر الأخلاقية»، يعزوها إلى عناية إلهية أو شبه إلهية. ولأن الحياة الأكاديمية في عصره كان يرأسها رجال الدين، ربما لم يتح له أي خيار آخر، أو ربما لأنه لم يجد تفسيرا آخر غير ذلك في أيامه التي سبقت ظهور داروين بقرن كامل. ومع ذلك، يتذبذب سميث بين إسناد هذه المنظومة إلى الذات الإلهية أو إلى الطبيعة، لكنه عندما تحرر لاحقا من سلطة رجال الدين وحصل على راتب مستقل، فإن فكرة المنظومة الطبيعية ذاتية البقاء أخذت تنمو فيما يبدو على نحو أقوى في أفكاره.
Unknown page