ويعترف سميث بأن القواعد الأخلاقية تختلف باختلاف الزمان والمكان؛ فكما أن الثقافات المختلفة تمتلك أفكارا مختلفة عن الجمال، استنادا إلى ما تألفه، فإنها تمتلك أيضا أفكارا مختلفة حول «جمال السلوك».
19
فعلى سبيل المثال، هناك تقاليد مختلفة للزواج، وأعراف متباينة للسلوك الجنسي، ومعايير متفاوتة لكرم الضيافة أو الكياسة، لكن سميث يؤكد أن هذه الاختلافات بين الأساليب المتبعة أو العادات اختلافات هامشية حتما. وإذا لم يستمر احترام المبادئ الأساسية للطبيعة، فإن المجتمع لن يتمكن من الاستمرار في البقاء. (7) مواقف تجاه الثروة
هناك عامل آخر يمكنه التأثير على أحكامنا الأخلاقية التي نصدرها، والتي لا تهدف جميعها إلى الخير، وهو الثروة. ولا بد أن تأملات سميث المفصلة حول هذا الموضوع قد صدمت النقاد البسطاء الذين رسموا (اتباعا لآراء كارل ماركس) صورة لسميث في مخيلتهم بأنه بطل الاكتساب المادي.
ويؤكد سميث أن وسائل الراحة المادية التي يمكن شراؤها بالمال ما هي إلا تفاهات؛ فالمعطف الناعم الملمس لا يختلف عن المعطف الخشن من حيث الوقاية من المطر والرياح، وليس بمقدور الغني أن يتناول من الطعام مقدارا يتجاوز قدرة الآخرين على الأكل، وربما ينعم العامل في كوخه المتواضع بنوم أهنأ من نوم الملك في قصره العظيم. فالثروة تعجز عن إنقاذنا من الشعور بالخوف أو الحزن أو الموت.
لكن ذلك لا يمنعنا من الاعتقاد بأن المال يمكنه شراء السعادة، وأن الأغنياء والمشاهير لا بد أن يكونوا سعداء. وفي الواقع، إننا نشعر بسعادة لحظهم السعيد ناتجة عن مشاركتهم شعورهم، ويستحوذ علينا الاهتمام بحياتهم وشئونهم. كما أن وقوع أحدهم في دائرة الضوء هو أمر سائغ؛ ولهذا فإن المنفعة الأساسية التي يجنيها الغني من ثروته لا تتمثل فيما تستطيع شراءه من كماليات وسائل الراحة، وإنما فيما تولده من اهتمام الناس المجامل لهم.
لكن هذا ليس من قبيل الخيلاء؛ لأن مصلحة الناس تستند إلى امتلاك الثروة أو احتلال المكانة أكثر مما تستند إلى فضائل من يمتلكونها. وحتى الأشخاص الذين لا يحصلون على شيء جراء ذلك يميلون إلى غض الطرف عن «رذائل وحماقة» الأثرياء، ومجاملتهم بقدر يتجاوز ما يستحقون؛ ونتيجة لذلك، يتوصل أصحاب الثروة أو المكانة إلى أنهم يستحقون بجدارة كل المديح الزائف، حتى وإن كانوا لا يستحقون أيا منه في الحقيقة. (8) التحسين الذاتي
ومع ذلك، فإن السعي إلى الثروة يجلب منافع أخرى بالتأكيد؛
20
فعندما يرى الناس ما يتمتع به الأغنياء من منازل كبيرة ومفروشات وثيرة، فإنهم يحسدونهم على هذه الحياة التي يفترضونها مريحة وسهلة. ويرى سميث أن المفارقة تكمن في أنهم سيحكمون على أنفسهم بحياة من التعب والعمل المجهد في سبيل الوصول إلى النتيجة نفسها. وبهذه الطريقة، فإن المباهج المفترضة للثروة - وإن كانت من الأوهام - تقودنا إلى إجهاد أنفسنا على نحو هائل في العالم المادي، وهذا يؤدي إلى تحسينات كبرى في حياتنا الفكرية والفنية أيضا:
Unknown page