فجحظت عينا صديق وقال: يا للعناد! إنك لغبية لا تعرفين مصلحتك، ولا ترين خطأك حتى تتألمين من ويله. - لا تشفق علي. - لا أستطيع أن أقسو يا ليلى؛ لأني أحبك فوق كل حب. - أتأسف أن هذا الحب ضائع بي، فليتك تحوله إلى فتاة تكون أكثر ألفة بك مني. - إذن لا ألفة إلا بينك وبين الفيلسوف. - دعني وشأني ولا تزعج نفسي.
وبعد سكوت هنيهة قال صديق: إني أتركك الآن؛ لئلا تتمادي في عنادك، فلعلك متى فكرت تعودين إلى صوابك.
فقالت وهي في ملء الكآبة: اتركني اتركني.
فنهض صديق وتناول يدها وهم أن يقبلها فاختطفت يدها من يده مكتفية بالمصافحة، فخرج بين يأس وأمل.
ما أسهل الغدر على الصديق!
في ذات مساء جاء جورجي آجيوس إلى يوسف براق، وقال له: أريد أن تستأذن صاحب هذا المحل بالتغيب الليلة. - لماذا؟ - لأني أود أن تذهب معي لزيارة رجل كبير والتعرف به؛ لأنه يهتم الآن بمشروع عظيم ويحتاج فيه إلى مثلك، فإذا قابلته فلا بد أن تعجبه، ويكون لك معه حظ كبير، وقد مهدت لك السبيل فاستأذن بالتغيب صاحب الدكانة متى عاد. - ولكن صاحب المحل لا يأذن. - استعف وامض ولا تسأل عنه؛ فهل تبقى رهينا في هذه الدكانة الحقيرة؟ - من هو هذا الرجل الكبير؟ - سأخبرك عنه حين نذهب معا، وسأنتظرك الساعة العاشرة في قهوة الشيشة، فلا تتردد في مطاوعتي، لا أقدر أن أتأخر دقيقة الآن، إلى الملتقى.
ولما كانت الساعة العاشرة التقى يوسف بجورجي في قهوة الشيشة، فقال هذا له: «هيا بنا لئلا يفوت الوقت.» فمشى الاثنان معا إلى جهة الحديقة، وكان هناك أوتوموبيل ينتظرهما، وفيه رجل وحوذي، فصعدا إلى الأوتوموبيل وفي الحال درج بهما، فقال يوسف: إلى الآن لا أدري إلى أين أنا ذاهب.
فقال جورجي: إلى المستر هنري ميس الأميركي، وقد جاء هذا الرجل حديثا إلى مصر لكي يؤلف شركة زراعية كبرى والمسيو فوتيوس هنا (مشيرا إلى الرجل الآخر) يقدمك إليه؛ لأنه يتكلم الإنكليزية.
وكان يوسف بين الاثنين فشكر للمسيو فوتيوس خدمته.
وما هي إلا دقيقة حتى رأى يوسف أن الأوتوموبيل يدرج في شارع عباس، وما أوغل الأوتوموبيل في هذا الشارع حتى شعر يوسف أن كفين من حديد قبضتا على ذراعيه من ورائه، فعلم أنهما كفا المسيو فوتيوس، فدهش ورام أن يصرخ فشعر أن كف جورجي قبضت على عنقه أيضا، وأن إسفنجة مبتلة وضعت على أنفه ولم يعد يستطيع حراكا، وفي نصف دقيقة فقد وجدانه. •••
Unknown page