فضحك جورجي، وقال: يلوح لي أنك لم تفهمي يوسف تمام الفهم، على أني أستغرب أمرا واحدا منك، وهو لماذا تهتمين هذا الاهتمام بخصوص صديق إذا كنت قد عدلت عن الزواج منه؟ ولماذا هذا العدول إذا كان الرجل يخرج بريئا طاهر الذيل؟ - إذا خرج بريئا فلأنك تساعدني في خلاصه، بيد أنه يبقى أثيما في نظري ونظر الذين يظلون مشتبهين ببراءته، وأنا أعد نفسي أطهر من أن أنضم إلى زوج فاسد القلب ميت الضمير، إني أكره صديقا ولا أهتم بخلاصه لأجل نفسه بل لأجل نفسي.
ففكر جورجي هنيهة، وقال: لأجل نفسك يا مولاتي أفعل كل شيء حتى ما لا أستطيعه، ولكن على شرط أن تقولي لي سر هذه المفارقة، وهي سعيك إلى خلاص صديق مع كرهك له .
فوجمت ليلى وصمتت هنيهة، ثم قالت: ألا تريد أن تستبدل هذا الشرط؟ - إذا لم تكن الثقة التامة بي يا مدموازال فلا فائدة لك من ثقتك بوعدي، أنت لا تعرفينني فأنا أصف لك نفسي، إني رجل شرير جدا وصالح جدا، إني شخصان: رجيم من أهل الجحيم وملاك من أهل النعيم. - والآن أي الرجلين أنت؟ - الثاني؟ - كيف أتحقق ذلك؟ - ما دام يوسف يقبلني قبلة الابن للأب، فتأكدي أن شخصي الأول معدوم. - وهل عرف يوسف بكل ما فعلت؟ - بعد أن أنجزته. - ماذا قال؟ - نقم علي وأتابني عن كل إثم، فأصبحت الرجل الصالح الذي تستطيعين أن تثقي به تمام الثقة، فقولي لي السر الذي بينك وبين صديق، وأنا أعدك بأن أنيلك كل متمنى.
فترددت ليلى في الجواب، وقالت: إنك تغريني على أن أقول سرا لا يعلمه أحد غيري، ولا أرى مصلحة أو فائدة من قول هذا السر، فاعذرني. - لا أتوخى مصلحة لنفسي بل لك، إذا اطلعت على سرك أكون أقدر مني الآن على خدمتك، فثقي بي يا ليلى إذا كنت تحبين يوسف؛ لأن منزلة يوسف عندي أعز من منزلة نفسي.
وهنا ترقرق الدمع في عيني جورجي وليلى تدهش؛ إذ تراه يكفكف بمنديله وهي تقول في نفسها: يستحيل أن تكون هذه الدموع دموع مكر.
ثم قالت له: لم يبق عندي شك بإخلاصك، ولكني لا أرى أن سري يهمك. - ما دام يهمك أنت أود أن أعلمه؛ لأني مجرد نفسي لخدمتك، فقولي.
فسكتت ليلى هنيهة ثم قالت مترددة: مع صديق ورق يهمني جدا جدا، فأود أن أسعى بخلاص صديق عسى أن أنال منه ذلك الورق مكافأة على سعيي. - وتخافين من افتضاح هذا الورق؟ - لا لا، لقد شذ ظنك، بل أود أن يعلن هذا الورق. - أليس الورق رسائل منك إلى صديق؟ - لا لا، لم أكتب في حياتي شيئا أخجل منه. - إذن أفصحي وأخبريني ما هو هذا الورق، لعلي أستطيع أن أستخلصه بنفسي. - تستدرجني لقص حكاية لا أود أن تعرف قبل أوانها. - لا بأس، لا يعرف بها أحد سواي . - ولا يوسف؟ - ولا يوسف، ثقي أنه لن يعرفها إلا منك.
فتبرمت ليلى وقالت: إني أخجل أن أقول: إنه لم يكن لي أب شرعي، وإن أمي كانت ... - زانية؟
فاكفهرت ليلى أي اكفهرار، وقالت مغرورقة العينين: نعم، إني ابنة غير شرعية، فأنت الآن الثالث الذي يعرف ذلك.
فضحك جورجي، وقال: بل أنا الخامس الذي عرف ذلك يا سيدتي.
Unknown page