أصبح عبد الشكور موقنا كل اليقين ألا أمل له في الحياة إلا أن يتقن لغة، ويزداد الأمل إن أصبحت اللغة لغتين.
أنا لا أملك مالا، ولا بد أن مارك سيحتاج إلى مال. أبي بالكاد وبتجارته المتهافتة يقيم أود بيتنا؛ على الرغم من أنه لا ولد له غيري. وأنا لا أحصل على حلة إلا بطلوع الروح. ولكن انتظر يا ولد يا عبد الشكور؛ مارك لن يحتاج إلى مال فقط، وأغلب الأمر أن القرية بما تحتاجه من الأعمال فيها ستمكن الهاربين من الحياة؛ إنما مارك يحتاج إلى من يكلمه؛ فلا شك أنه وصديقه قد استنفدا بينهما كل حديث.
لأعقد بيني وبينه صداقة وطيدة، وأتفق معه أن أعلمه اللغة العربية ويعلمني هو الإنجليزية التي يتقنها ولا أدري لماذا؛ مع أن الألمانية هي لغته الأصلية. •••
في خبث لا نظير له أراده له الخلاق الفعال بدأ عبد الشكور يرمي شباكه على مارك ولا يحرم منها هوفمان. وما لبث أن عرف أن مارك من أم إنجليزية؛ وفهم سر اتقانه الإنجليزية.
وبدأت خطة عبد الشكور تأخذ طريقها إلى الوجود.
وليس أثمن من سمير أو أنيس، مجرد أنيس في وحشة الغربة بين قوم لا يفهمون عنك ولا تفهم عنهم. وقد رحب الغريبان كل الترحيب بإقبال عبد الشكور عليهما.
وبدأ يعلمهما العربية، وراح مارك يعلمه الإنجليزية، وراح هوفمان يعلمه الألمانية؛ وهكذا لم يضطر أن ينتظر حتى يتقن الإنجليزية ليبدأ بعدها في الألمانية، بل درسهما في وقت معا.
وقد وجد فيما يدرس جميعه أمله الأكبر في الحياة، وبجهد المستميت راح يذاكر.
ولكن لا بد له من كتب في اللغتين، ولم يجرؤ أن يفكر في أن يطلب إلى أبيه ثمنها وهو اليوم قد أتم دراسته ومكث بالقرية ينتظر فرج الله.
وراح أبوه يتوسل إلى كل ذي أكرومة أن يجد لابنه وظيفة، ولكن هيهات. وعبد الشكور يريد ثمن الكتب. - آبا. - مالك؟ - ماذا عليك إذا جعلتني أساعدك في البيع والشراء؟ - وهل ترى العمل متسعا حتى أحتاج إلى من يساعدني؟! - إذا عملت معك اتسع العمل. - وماذا تريد مني؟ - ثمن الصفقة الأولى. - أأدفع لك لتزاحمني في رزقي. - وأين سأذهب بالمال؟ إني سأدفع لك نصف ما أكسب. - وتنافسني في السوق. - ما رأيك أن تستمر أنت في تجارة الحبوب وأتخصص أنا في تجارة القطن. - ومن أين لك بثمنه؟ - أنا لا أريد منك إلا عربون العملية الأولى، وفي السمسرة متسع للجميع. - لا بأس. على أن أشاركك في المكسب. - طبعا.
Unknown page