وخرج عبد الشكور من الغرفة وأغلق الباب واثقا أنه أمسك بصبحي من حيث يريد أن يمسك به. •••
ذهب عبد الشكور إلى التنظيم فيما بعد الظهيرة ووجد من تعود أن يجدهم دائما. وكان قد وطد علاقته بموسى أشرف أعظم الأتباع شأنا وألصقهم بأحد الأقيال الضخام الشأن والجاه. اقترب منه وراح يجاريه في الحديث وموسى يحرص على أن يضع في كل بضعة جمل واحدة أو اثنتين عن الشخصية ذات الشأن الخطير التي يعمل في خدمتها. وفي مهارة ودربة يظهر عبد الشكور الدهشة أو الرهبة أو الإكبار أو الإجلال حريصا على أن يضفي على محدثه موسى كل ما يصبو إليه من عظمة ومن أشكال الجبروت والمكانة والجاه العريض.
وفاجأ عبد الشكور موسى وكانا يجلسان بمنجى عن أسماع الآخرين: لماذا يا موسى بك لا تشرفني في البيت؟ - لا مانع طبعا. - أتحب أن نتغدى معا أو نتعشى؟ - الغداء لا يمكن؛ لأنني أكون دائما بالقرب منه وربما أرادني. - وفي المساء؟ - في المساء له هو سرحاته الخاصة. - وأنت أليس لك سرحات؟ - والله إن تيسرت يكون خيرا وبركة. - ماذا تعني بتيسرت؟ - ألم تفهم؟ - فهمت، ولكني أريد أن أتأكد. - هو ما فهمت. - هل تتناول معي العشاء غدا. - ومن المدعوون؟ - أنت وشخص واحد. - من هو؟ - ستعرفه حين تراه. - لا أحب المفاجآت. - لا تخف، هذه مفاجأة ستحبها. - أنا لا أذهب إلى أي دعوة إذا لم أكن على علم أكيد بالمدعوين. - اترك هذه الخصلة غدا ولن تندم. - اسمع، إذا انبسطت ستكون واحدا من المهمين في مصر كلها، وإذا ... - وقاطعه عبد الشكور قائلا: لا تكمل، أعرف ماذا سيحل بي إذا حدث العكس. ••• - صباح الخير يا نبيل. - عسى الله أن تكون مبسوطا. - نهارك فل. - علم. - البك وحده؟ - وما هذه الحقيبة في يدك ليست العادة؟ - قلت أوقع منه بعض أوراق على الماشي. - ادخل. - أراك وأنا خارج. - أنا قاعد، وأين يمكن أن أذهب؟!
دخل عبد الشكور إلى مكتب صبحي ولم يجلس، وإنما وقف إلى جانب المكتب وفتح الحقيبة وهو يقول: صباح الخير، مبروك على صافيناز هانم الطاقم والسجادة يا سعادة البك.
وقفز صبحي واقفا. - يا نهارك أبيض! من أين جئت بكل هذا المبلغ؟
وفي برود وثقة قال عبد الشكور: اهدأ واطمئن، واقعد واسترح. - قعدت.
وراح عبد الشكور يشرح العمليات المالية التي يقوم بها في الأسهم والسندات، ووضح لصبحي أن البنك أو أصحاب الأسهم لا يخسرون مليما واحدا. كما طمأنه أنه ليس بين أوراق البنك ورقة واحدة لها شأن بهذه العمليات.
وأحب صبحي أن يقتنع، ووضع المبلغ في حقيبته الخاصة. •••
حين ذهب موسى أشرف إلى بيت عبد الشكور استقبله في ترحاب أقرب إلى الذلة منه إلى الإكرام. وحين دخل موسى إلى البهو طالعته فتاة واضحة الجمال والجاذبية، وقال عبد الشكور: كريمة، الضيف الوحيد اللي دعوته. - ونعم الضيف. - عندي الشراب والدخان، أيهما أحب إليك؟ - كله عظيم. - ليلتنا بيضاء. - إن شاء الله.
ولم ينس عبد الشكور أن يترك بيته في الموعد الذي رآه مناسبا تماما. •••
Unknown page