Al-Ādāb al-sharʿiyya waʾl-minaḥ al-marʿiyya
الآداب الشرعية والمنح المرعية
Publisher
عالم الكتب
Edition
الأولى
Publisher Location
القاهرة
Genres
Sufism
وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ؛» لِقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَرَى قَوْله تَعَالَى: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] .
أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجِنْسِ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ كَمَا كَانَ يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّبَيْدِيُّ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَظْلُومَ إذَا شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى عَدْلُ اللَّهِ ﷿ الْإِيقَاعَ بِظَالِمِهِ فَيُحِبُّ اللَّهُ ﷾ أَنْ يَجْهَرَ الْمَظْلُومُ بِالشَّكْوَى لِيَكُونَ الْمُقَدَّرُ وَالْإِيقَاعُ بِالظَّالِمِ مَبْسُوطَ الْعُذْرِ عِنْدَ الْخَلْقِ، وَزَاجِرًا لِأَمْثَالِهِ عَنْ أَمْثَالِ فَاعِلِهِ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُ الظَّالِمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَلْقَ إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمْ مَمْلُوكِينَ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمْ جِنَايَةً، فَإِنَّ أَرْشَهَا لِسَيِّدِهِ، فَالْخَلْقُ مِلْكٌ لِلَّهِ ﷿، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، فَلَوْلَا هَذِهِ الْحَالَةُ لَمَا كُنْت أَطْمَعُ لِلظَّالِمِ أَنْ يُؤَخَّرَ الْإِيقَاعُ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ: إلَّا أَنْ يَدْعُوَ الْمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْخَصَ لَهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ إلَّا أَنْ يَنْتَصِرَ الْمَظْلُومُ مِنْ ظَالِمِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنْ يُخْبِرَ الْمَظْلُومُ بِظُلْمِ مَنْ ظَلَمَهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الضَّيْفُ بِذَمِّ مَنْ يَضِيفُهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ بِفَتْحِ الظَّاءِ قَالَ ثَعْلَبُ: هِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ﴾ [النساء: ١٤٧]؟ ﴿إِلا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] وَقِيلَ: الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الظَّالِمُ بِالسُّوءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَجْهَرُوا بِالسُّوءِ لِلظَّالِمِ. فَعَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ الْمَظْلُومُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ لِظَالِمِهِ بِالسُّوءِ، وَلَكِنْ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ وَاجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] أَيْ: أَقَامَ عَلَى النِّفَاقِ فَيُجْهَرُ لَهُ بِالسُّوءِ حَتَّى يَنْزِعَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ هِنْدٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ
1 / 246