ولا يمكن أن يكون الإنسان سويا سليما إلا إذا نشأ وتربى وعاش طيلة عمره في مجتمع مختلط، من المهد إلى اللحد، بحيث لا تغيب صورة المرأة عن ذهن الرجل ولا تغيب صورة الرجل عن ذهن المرأة.
أما إذا انفصل الاثنان، فإن الفساد ينشأ ويفكر كل منهما في جنسه دون الجنس الآخر، وهذا ما نسميه «شذوذا»، وهذه كلمة صحفية، غير علمية، نتفادى بها من كلمات أخرى فاحشة نشمئز من ذكرها.
وهذا الوسط الذي عاش فيه أبو نواس، هذا المجتمع الذي انفصل فيه الجنسان، ما زلنا نجد مثله في كثير من الأمم، بل أستطيع أن أقول إن هناك من القوانين التي سنت عندنا ما يزيد هذا الانفصال في المجتمع، ويزيد، لطبع هذا الشذوذ النواسي.
ولا يمكن أن ننتظر من شاب يبقى إلى سن الثلاثين وهو لا يشترك مع امرأة في زمالة أو عمل أو رفقة، أن يكون سليما؛ إذ لا بد أن يقع في الشذوذ، وهو: (1)
شذوذ العادة السرية التي تفتت كيانه، وقد تسلمه إلى النورستينيا. (2)
شذوذ الالتفات لجنسه الذي ربما ينتهي به إلى السجن. (3)
شذوذ الكظم الذي قد ينتهي به إلى المارستان. •••
ما كنت لألتفت إلى أبي نواس لولا أني أريد استخراج العبرة من مجتمعنا، فإن هذا الرجل أرصد حياته، وذكاء عقله، ورؤيا نفسه لتأليف القصائد عن عاهة جنسية نشمئز منها، وهذه ظاهرة عجيبة، ليس في الأدب فقط، بل في الطبيعة البشرية.
والعبرة هي أن مجتمعنا لا يختلف عن المجتمع الذي عاش فيه أبو نواس إلا في الدرجة، وأن ما نهدف إليه من الصحة الاجتماعية لأبناء الشعب لا يمكن أن يتحقق ما دمنا أو - بالأحرى - ما دام بعضنا يقول بالانفصال.
وصحيح أن العلاج الأمثل، العلاج الذي يقينا تلك الانحرافات التي وقع فيها أبو نواس، هو الزواج المبكر، ولكن ظروفنا الاقتصادية في كثير من الحالات لا تساعدنا على ذلك.
Unknown page