Adab Atfal Muqaddima Qasira
أدب الأطفال: مقدمة قصيرة جدا
Genres
أما العنصر الثالث لشبكات السرد عبر الوسائط المتعددة، فهو الانغماس، وهو تعبير دائما ما يستخدم لوصف مستوى انخراط شخص ما في لعب ألعاب الكمبيوتر. كذلك يمكن استخدام تعبير الانغماس لوصف تجربة «الاستغراق في الكتاب»، ودراسة الطرق التي قد تدعم بها سلاسل السرد عبر الوسائط المتعددة الانغماس أو تحول دونه تظهر مدى قدرة هذه السلاسل على أن تكون مكملا لقراءة المواد المطبوعة التقليدية. إن الانغماس التام في قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو لعب لعبة إلكترونية أمر ممتع، ولكنه غالبا ما يعد حالة تتوقف فيها القدرات النقدية عن العمل. إن أول لقاء بالنص في شبكة السرد عبر الوسائط المتعددة ينتج على الأرجح درجة عالية من الانغماس، ولكن ما إن يبدأ «القراء» في التنقل عبر باقي أجزاء الشبكة والمشاركة في المناقشات الدائرة حول الصور المختلفة التي ظهر بها النص، حتى يأتي الشعور بالرضى الذي ينبع من الدراسة، وطرح الأسئلة، وفحص الأجزاء المختلفة من الشبكة ومحاولة التوصل إلى اكتشافات تعمق الفهم، بدلا من الكفاح من أجل الوصول إلى درجات أعلى من الانغماس. وهذا الأمر يثير بعض المقارنات المثيرة للاهتمام بأهداف تدريس الأدب والاستراتيجيات المستخدمة في ذلك.
مع تقدم الأطفال في مسار النظام التعليمي، يصبحون مطالبين بفهم القراءة كعملية تفسيرية؛ حيث إن القصص التي يتعلمونها تعمل على أكثر من مستوى؛ ومن ثم فهي في حاجة إلى التفسير. وهناك شكوى شائعة تتمثل في أن القصص التي تقرأ في المدارس تدمر بفعل المطالبة المستمرة للطلاب بالنظر إلى عمق النص وليس سطحه، وتركيز الانتباه على أشياء من قبيل الجنس الأدبي، والمنظور السردي، والاستطرادات، وتغير الأزمنة، وعناصر الأسلوب، والحاجة إلى سد الثغرات في السرد. والمثير للاهتمام أن العديد من هذه السمات يكون موضحا في عملية قراءة النصوص عبر الوسائط المختلفة، سواء أكان ذلك يتضمن جمع دلائل تتعلق بالأحداث، أم الأفعال، أم رسم الشخصيات، أم الزمان والمكان، أم محاولة اكتشاف المنظور السردي. وتتطلب ألعاب الكمبيوتر التفاعلية على وجه الخصوص حل المشكلات التي تحول الاستراتيجيات التفسيرية إلى أنشطة فعلية. فممارسة لعبة كمبيوتر قائمة على إحدى روايات «هاري بوتر» - على سبيل المثال - قد تجعل من الممكن تغيير المنظور السردي للقصة من خلال تغيير الصور الكرتونية، في حين أن طبيعة الاستطرادات وسبب تضمنها تغييرا في الأزمنة لا يمثلان إشكالية بالنسبة للاعب ينشط رابط نص تشعبي ويعيش أحد أحداث النص أثناء وقوعه، والذي يلقي الضوء على سمة من سمات الحبكة أو الدافع كانت خفية من قبل.
ومع تطور الألعاب الإلكترونية، فإنها توظف بشكل متزايد قصصا معقدة ومدروسة بعناية ومكتوبة بإتقان، وتقدمها من خلال مزيج من المواد المطبوعة؛ فالحاجة إلى قراءة الكتب، والخطابات، والرسائل، والمفكرات اليومية، وأنواع مختلفة من المستندات للحصول على معلومات حيوية تعتبر سمة من سمات الألعاب الإلكترونية. والأمثلة على الاهتمام بكتابة قصص ألعاب الكمبيوتر هي لعبة «أساسنز كريد» (2008)، و«أساسنز كريد 2» (2009)، اللتين تدور أحداثهما وسط مناظر تجسيدية موسعة ومفصلة للغاية للأرض المقدسة في حقبة الحملات الصليبية وفي إيطاليا القرن الخامس عشر على التوالي. وتعتبر هذه السلسلة قصص مغامرات تاريخية بقدر ما هي ألعاب إلكترونية، وقدرتها على التحفيز على الانغماس تعزى إلى الخلفية الدرامية مكتملة التطور، والتي نتعرف عليها من خلال الحوار ومستندات تصميم اللعبة، والتي أدت إلى خلق محيط زماني ومكاني واقعي إلى حد مدهش. وتتضح أهمية القصة بالنسبة لهاتين اللعبتين من حقيقة تعيين أومبيرتو إيكو - الباحث في تاريخ العصور الوسطى والروائي إلى جانب أشياء أخرى - مستشارا لذلك المشروع. ونظرا لاهتمام إيكو بخلق أدوار للقراء، بحيث يطلب منهم حل الألغاز التي غالبا ما تستند إلى نصوص أخرى وإلى نشاط القراءة، وكذلك جعل النصوص مفتوحة للعديد من التفسيرات؛ فإن حماسه للنص الروائي للألعاب الإلكترونية قد يكون غير مثير للدهشة. إن مهارات إيكو كمؤرخ وكاتب تشكل سلسلة ألعاب «أساسنز كريد»، ولكن العلاقة التأثيرية بين الألعاب والروايات ليست ذات اتجاه واحد، علاوة على أن كتاب أدب الأطفال ينجذبون انجذابا متزايدا إلى السمات المرتبطة بالألعاب لإنتاج أنواع جديدة من القصص وطرق جديدة لسردها. «إعادة إنتاج كتاب»: تقاليد جديدة للروايات القديمة
تعتبر رواية «هيكسوود» (1993) للكاتبة ديانا وين جونز أحد الكتب التي تستخدم تقاليد سردية ترتبط بألعاب الكمبيوتر من أجل خلق نهايات أدبية مبتكرة. تبدأ هذه الرواية المعقدة الثرية بسلسلة من الفصول القصيرة جدا، والتي تبدو أنها تكرر الأحداث نفسها من وجهات نظر أو مراحل زمنية مختلفة. ثم يتضح بالتدريج السبب وراء التكرار والربط بين الأحداث؛ فالأحداث جزء من لعبة تقمص أدوار واقعية افتراضية كونية تستخدم لاختيار حكام المجرة، وبنية الكتاب نفسها تقوم على أساس هذه اللعبة. ومثلما تنطلق رسالة «انتهت اللعبة» عدة مرات في تتابع سريع حين يرتكب اللاعبون الجدد أخطاء، أو يتسببون في مقتل شخصية اللعبة، ويضطرون للبدء من جديد وهم يستكشفون مساحة اللعبة، كذلك يبدأ قارئ «هيكسوود» القراءة من جديد مع شخصية آن، التي تلعب دور الشخصية الكرتونية للقارئ.
وبمجرد دخول الشخصيات في بيئة اللعبة، تفقد إحساسها بهويتها (بعبارة أخرى، تنغمس في اللعبة)، وتندمج مع الصور الكرتونية المحددة لها. وكل الصور الكرتونية عبارة عن شخصيات أسطورية، تتضمن الملك آرثر والساحر مرلين، وعددا من فرسان المائدة المستديرة، وقاتل التنين في أسطورة بيوولف؛ باختصار، إنه «فريق الأحلام» الأدبي. ونظرا لأن سلوك الشخصيات متأصل في تجسداتهم الأدبية؛ فإن العلاقة بين الكتب والألعاب تتضح أنها علاقة تكميلية. في الواقع، هذه العلاقة هي ما يحرك الحبكة، على الرغم من أن الحبكة في رواية «هيكسوود» ثانوية بالنسبة للسرد. وقد استخدمت عناصر التفاعل مع اللعبة من أجل تنظيم بنية الرواية وتطوير شخصياتها. على سبيل المثال، الانغماس، وإمكانية إعادة اللعب، وخلق عالم بديل قائم على مزيج من الأجناس الأدبية المذهلة، والمعركة بين الخير والشر للسيطرة على العالم، واستخدام الصور الكرتونية. وتكتسب الصور الكرتونية أهمية خاصة في هذه الرواية، حيث يتضح بالتدريج أن الاتفاق بين الهويات الأدبية الأصلية للشخصيات وصورهم الكرتونية قد خلق بعناية ويقدم لنا تلميحات بشأن ماضي الشخصيات، وطبائعهم، وقدراتهم.
هناك العديد من الطرق الأخرى التي يستفيد بها النص من خصائص ألعاب الكمبيوتر، ولكن رواية «هيكسوود» تعتبر مثيرة للاهتمام لهذه المناقشة؛ لأن ديانا وين جونز مزجت فيها أنماطا وشخصيات ونماذج وحبكات درامية من الخرافات والأساطير والحكايات الشعبية والخيالية بسمات ألعاب الحاسب لخلق قصة وأسلوب جديدين من رحم تلك المكونات المألوفة. وقد فعل سلمان رشدي شيئا مشابها في روايته «لوقا ونيران الحياة» (2010)، وهي تتمة لرواية «هارون وبحر القصص» (1990). وتدور أحداث رواية «لوقا ونيران الحياة» حول ابن آخر من أبناء رشيد راوي القصص، والذي عليه أن ينقذ والده. في هذه المرة، استسلم رشيد لتعويذة غامضة ألقيت عليه فأسلمته إلى نوم طويل، فانطلق لوقا يبحث عن نيران الحياة التي يأمل أن توقظ والده ليسترجع مهاراته في سرد القصص. وعلى غرار وين جونز، يجري سلمان رشدي - الذي أصبح خبيرا في ألعاب الكمبيوتر خلال سنوات الفتوى بإهدار دمه - مقارنات بين أسلوب السعي وراء الأهداف في ألعاب الكمبيوتر وفي الحكايات القديمة، بما في ذلك القصة الخيالية التي يكتبها في رواية لوقا. وتعتبر فكرة الفناء موضوعا رئيسيا في هذا الكتاب، وتتمثل إحدى طرق استكشاف ذلك في المقارنة بين القيم المختلفة التي تكتسبها فكرة الحياة في الألعاب الإلكترونية، حيث تمتلك الشخصيات/اللاعبون عددا لا يحصى من الحيوات (وهو ما يشبه أسلوب إعادة التشغيل الذي استخدمته وين جونز في رواية «هيكسوود»)، وفي الحياة الواقعية، حيث يتقدم العمر برشيد ويواجه لوقا حقيقة أن والده لن يتمكن من النجاة إلى الأبد.
إن المزيج الذي يصنعه رشدي بين الألعاب الإلكترونية والحكايات التقليدية يتمحور في الأساس حول قابلية النص السردي للتكيف وأهمية ذلك لكل الثقافات (وهو يستخدم مجموعة كبيرة مختلفة من تقاليد السرد الروائي في رواية «لوقا»). تشارك رواية «هيكسوود» كذلك هذه المخاوف وتؤكد على قدرة القصص على التعليق على أحوال المجتمع، وفي هذه الحالة، تعلق القصة على مغريات أهل السلطة للتلاعب بالقواعد. وقد ظهرت فكرة مشابهة لهذه في رواية «ملحمة» (2004) للكاتب كونر كوستيك، وهي قصة تدور أحداثها في المستقبل على كوكب ما حيث تستخدم لعبة تقمص أدوار متعددة اللاعبين - تسمى الملحمة - لإدارة المجتمع بنية تجنب النزاعات. ولكن، هناك عصبة من الفاسدين أمسكوا سرا بزمام اللعبة لجمع ثروة وتحصين أنفسهم، وتدور قصة الرواية حول محاولات استعادة السيطرة المشروعة على زمام اللعبة. وللقيام بذلك، كان على السكان أولا أن يدركوا أن هناك تلاعبا في اللعبة. ولكن من الصعب القيام بذلك؛ نظرا لأنهم منغمسون تماما في اللعبة. وتعمل فكرة الاستغراق في تلك اللعبة كاستعارة للأيديولوجية؛ حيث يجد المستعمرون أنه من المستحيل أن يدركوا أن الطريقة التي يعيشون بها ليست محتومة.
يأتي التغيير حين يتخلى إيريك - وهو لاعب صغير في اللعبة - فجأة عن الصورة الكرتونية التي يستخدمها طوال حياته - وهي تشبهه للغاية - ليجرب شيئا مختلفا تماما. فأتاح له الواقع الافتراضي أن يتقمص شخصية سينديلا قاتلة التنانين؛ وهي فتاة جذابة تستعين بالسحر عوضا عن المهارات القتالية. وتعد القدرة على إعادة ابتكار الذات المرتبطة بالفضاء الإلكتروني والواقع الافتراضي مصدرا للقلق في بعض الأحيان، إلا أن تصحيح الوضع يولد منظورا جديدا أو أكثر. مع اتخاذه لسينديلا كصورة كرتونية له، بدأت طرق جديدة للتفكير في اللعبة والحياة اليومية تطرأ على ذهن إيريك؛ مما مكنه هو ورفاقه من إكمال لعبة الملحمة، والإطاحة بالزمرة الحاكمة، واستعادة الحكم العادل لأهل الكوكب.
وعلى غرار روايتي «هيكسوود» و«لوقا ونيران الحياة»، توظف رواية «الملحمة» بنية السعي وراء تحقيق هدف محدد، بما في ذلك المحاولات والحاجة إلى إحراز تقدم عبر مستويات مختلفة من خلال هزيمة مجموعة متنوعة من الوحوش. كما أن جزءا كبيرا من نص هذه الرواية مكتوب كلعبة إلكترونية؛ ومن ثم يقرأ القراء الأوامر التي يعطيها إيريك لسينديلا، ثم يكتشفون ما يحدث عندما تنفذها. وفي حين أن كلا من روايتي وين جونز وسلمان رشدي تتعقب شخصية وحيدة بشكل أساسي وهي تجتاز المستويات المختلفة لعالم اللعبة، فإن الفوز في لعبة «الملحمة» يتحقق عندما يتعاون إيريك مع أصدقائه وعائلته والأفراد الأساسيين في المجتمع؛ حيث يبنون ثقافة تقارب في مجتمعهم. وكل فرد من هؤلاء يشارك في اللحظات الحرجة، حيث يوحدون مهاراتهم ويتعاونون في حل مشكلاتهم. ومن ثم، فإن هذه الرواية التي تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين، تؤكد على قيمة أساليب وتقاليد ألعاب الكمبيوتر ومجتمعات الإنترنت وتوظفها، حيث تمزجها بعناصر من القصص التقليدية من أجل ابتكار طرق جديدة لسرد القصص، والتي تطرح كذلك طرقا جديدة للتفكير بشأن كيفية تنظيم المجتمع وإدارته.
توضح الأمثلة الثلاثة السابقة كيف تتأثر النصوص المطبوعة بمبدأ السرد عبر الوسائط المتعددة. ورغم أن أيا من هذه الروايات الثلاث ليست جزءا من شبكات سرد عبر الوسائط المتعددة، فإنها نصوص تفاعلية، حيث إنها تمزج بين سمات الألعاب الإلكترونية، والسرد الروائي، وتطورات الوسائط الجديدة، كما أنها جزء من عملية تعديل توقعات صغار القراء بشأن ماهية الرواية ووظيفتها. كما أنها تبين السبب وراء أن تحليل الروايات للأطفال يتطلب من الأكاديميين - على نحو متزايد - النظر إلى ما وراء المناهج النقدية التقليدية إلى تلك الطرق التي تطور لمناقشة التقنيات الجديدة. فالنصوص التفاعلية للأطفال تمهد الطريق لاتجاهات مستقبلية للرواية.
Unknown page