Adab al-Khilaf - Yasser Burhami
أدب الخلاف - ياسر برهامي
Genres
مسلك العلماء المتقدمين والمتأخرين في مسائل الخلاف
لا شك أن هذا المسلك -الذي هو مسلك محاولة توحيد الأمة في كل المسائل على قول واحد- مسلك ما سلكه أحد من أهل العلم، بل المشهور عنهم رده على من طلبه منهم.
روى ابن عساكر أن أبا جعفر المنصور سأل الإمام مالكًا ﵀ أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فقال له: لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروايات، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله ﷺ وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوا شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
فكلام الإمام مالك هذا كلام جميل جدًا، لا بد أن يكون منا على بال، فمع أن كتابه هو الذي كان يعرض عليه أن يلزم به من في المشارق والمغارب، ولكن مع ذلك رفض الإمام مالك ﵀ ذلك ورأى أنه فتنة.
ولذلك فإن الذي لا يستوعب وجود الخلاف السائغ يجد المشاكل حادة جدًا وتحصل فتن بين البعض والبعض مثلما حصل في بعض البلدان قديمًا، فشيخ الإسلام ابن تيمية جاءت له مسألة معرضة للفتنة والتبديع بين أهل قريتين في مسألة رؤية الله ﷿ في الآخرة وهل يراه المنافقون وأهل الموقف جميعًا أم المؤمنون فقط؟ فـ ابن تيمية رد عليهم وقال: هذه المسألة مما لا يقتضي النزاع فيها، والمسألة فيها خلاف سائغ.
ورجح رؤية أهل الموقف جميعًا، لكن قال: المسألة مما لا يضلل فيها.
وهكذا المشايخ المعاصرين أيضًا، فقد حصل في بعض البلاد مسألة الترجيح والتضليل في مسألة وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر بعد الرفع من الركوع.
وسئلت لجنة الفتوى سؤالًا نص فيه على أنه حصل أن البعض قرأ كلامًا للشيخ الألباني أنه بدعة وضلالة والبعض قرأ للشيخ ابن باز أنه سنة وحصلت بينهم فتنة بسبب ذلك؟ فأفتت اللجنة بأن هذه المسألة لا يجوز أن يكون فيه اختلاف يؤدي إلى التباغض والفتنة التي تقع، بل حتى لو أن إنسانًا رأى أن هذه بدعة ومن يفعلها على ضلالة فهذا لا يخرجها عن الخلاف السائغ، إذ ليس كل البدع متفق على بدعيتها، فهناك بدع متفق عليها وهناك بدع مختلف فيها.
3 / 10